الصحة ، والعرب عليها في الفتن ملحّة ، والأمراض بها تعيث وتعبث ، والخزين بها لا يلبث.
قلت فأزمّور (٤٧١) ، قال جار واد وريف ، وعروس ربيع وخريف ، وذو وضع شريف ، أطلّت على واديه المنازه والمراقب ، كأنها النجوم الثواقب ، وجلت من خصبه المناقب ، وضمن المرافق نهره المجاور وبحره المصاقب. بلد يخزن الأقوات ، ويملأ اللهوات ، باطنة الخير ، وإدامة اللحم والطير ، وساكنه رفيه ، ولباسه يتّحد فيه ، ومسكنه نبيه ، وحوته الشابل ليس له شبيه. لكنّ أهله إنما حرثهم وحصادهم اقتصادهم فلا يعرفون ارضاخا ، ولا وردا نضّاخا ، يترامون على حبّة الخردل بالجندل ، ويتضاربون على الأثمان الزيوف بالسيوف. بربريّ لسانهم كثير حسانهم ، قليل إحسانهم ، يكثر بينهم بالعرض الافتخار ، ويعدم ببلدهم الماء والملح والفخّار.
قلت فتيط (٤٧٢) ، قال معدن تقصير ، وبلد بين بحري ماء وعصير ورباط للأولياء به سرور واغتباط. ومساجدها تضيق عنه المدائن منارا عاليا ، وبقلادة الإحكام حاليا ؛ إلا أن خارجها لا يروق عين المقيم والمسافر ، ولا يشوق بحسن سافر ، ومؤمنه يشقى بصداع كافر ، وحماه عدو كل خفّ وحافر ، فلو لا ساكنه لم ينبس يوم فخر ، ولم ينم إلا إلى صخر.
قلت فرباط آسفي (٤٧٣) قال لطف خفيّ ، وجناب حفيّ ، ووعد وفيّ ،
__________________
(٤٧١) أزمورAzammur ، مدينة على ساحل المحيط الإطلنطي بالمغرب الأقصى ، وتقع على الضفّة اليسرى لمصبّ نهر أم الربيع.
راجع J.Leon africano : Op.cit.p ٣٨) ؛ التعريف بابن خلدون ص ٤٤ حاشية ٤).
(٤٧٢) تيطTit ، مدينة قديمة في إقليم دكالة وتقع على ساحل المحيط الإطلنطي على مسافة ٢٤ ميلا من مدينة أزمور وعلى بعد ١٠ ك. م جنوبي مازكان).Mazagan الجديدة الحالية) وتيط معناها العين بالبربرية ومنها تطوان أي العيون السبعة.
انظر. (J.Leon : Op.cit.p.١٨)
(٤٧٣) آسفي Safi ، مدينة بالمغرب الأقصى على ساحل المحيط الإطلنطي وقد ضبطها ابن خلدون بالسين المفتوحة بينما كتبها ليون الإفريقي (الوزان) بسكون السين (ص ٧٩) وكذلك فعل المستشرق ليفي بروفنسال نقلا عن كتاب المسند الصحيح الحسن في مآثر مولانا أبي الحسن لابن مرزوق (ص ٣٥ ، ٨١). هذا وقد ورد سبب تسمية هذه المدينة بهذا الاسم في قصّة