وعرة ، وظهائرها متسعرة ، وطينها هائل ، وزحامها حرب وائل ، إن نشد الجفاء ناشد ، فهي ضالّته المنشودة ، أو حشد أصنافه حاشد ، فهي كتيبته المحشودة. إلى بعد الأقطار ، وعياث الميازب أوقات الأمطار ، والاشتراك في المساكن والديار ، على الموافقة والاختيار ، وتجهم الوجوه للغريب ، ذي الطرف المريب ، وغفلة الأملس عن الجريب ودبيب العقارب ، أرسالا كالقطا (٤٨٤) القارب (٤٨٥) ، وأهلها يرون لأنفسهم مزيّة الفضل ، ويدينون في مكافأة الصنائع البالغة بالعضل (٤٨٦). يلقى الرجل أبا مثواه فلا يدعوه إلى بيته ، ولا يسمح له ببقله ولا بزيته ، فلا يطرق الضيف حماهم ، ولا يعرف اسمهم ولا مسمّاهم ، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، وقليل ما هم. ومقبرتهم غير نابهة ، وأجدائها غير متشابهة ، مشربة حيوان ، ومشبعة جرذان ، غير وان.
قلت فما تقول في آقر سلوين ، قال واد عجيب ، وبلد لداع الإيناع مجيب ، مخضرّ الوهاد والمتون ، كثير شجر الجوز والزيتون ، كنفته الجبال الشم ، وحنا عليه الطود كما تحنو على ولدها الأم ، فهواؤها ملائم ، والعنب على الفصول دائم ، إلا أن الشمس لا تطرقه بنوال ، ولا ترمقه إلا وقت زوال ، قد باء بالحظ الموكوس ، وانكمش تحت إبط الظل المنكوس ، فجوّه عديم الطلاوة ، وعنبه للبرد قليل الحلاوة.
قلت فسجلماسة (٤٨٧) ، فقال تلك كورة وقاعدة مذكورة ، ومدينة محمودة مشكورة. كانت ذات تقديم ، ودار ملك قديم ، وبلد تبر وأديم ، ومنمي تجر ومكسب عديم. معدن التمر ، بحكمة صاحب الخلق والأمر ، تتعدّد أنواعه فتعيي الحساب ، وتجم بها فوائده فتحسب الاقتناء والاكتساب.
__________________
(٤٨٤) القطا ومفردها قطاة وهو طائر في حجم الحمام.
(٤٨٥) القارب : الطالب الماء ليلا.
(٤٨٦) أي القبيحة.
(٤٨٧) سجلماسه ، بكسر السين والجيم وسكون اللام ، مقاطعة ومدينة في جنوب المغرب الأقصى تسمى الآن تافيلالت.
انظر (ياقوت : معجم البلدان ج ٥ ، ص ٤١ ، التعريف بابن خلدون ص ٤٠ حاشية ١)