جلسة ، وحرص على تتميم البر بكل حيلة.
وفي يوم الاثنين المتصل بيوم القدوم ، توجّهنا إلى الجبل في كنف أصحابه تحت إغراء بره ، وفي مركب قرة عينه ، فخرجنا نستقبل بين يديه السهل ، ونساير الجهة ، ونشاهد الآثار ، ونتخطّى المعاهد ، وننشق (٣ و) النسيم البليل القريب العهد بمادة الثلج وعنصر البرد ، ولما بلغنا درج الجبل ، وانتحينا طريقه من السفح ، وهي تركب ضفّة الوادي الملتف بعادي شجر الجور والطرفاء وشجر الخلاف والدردار ، وأمعنّا (و) (٥٠٢) كابدنا عنتا في اقتحام الوادي ذي الجرية الكثيرة الصبب ، المسوقة المد ، العظيمة التيار ، المجهولة المخاض ، ونقتحم منه أزرق شفّافا عن الحصباء ، كثير الجلبات ، أملس الصفاح ، لذّاع البرد ، عبرناه نحوا من ثلاثين مرّة في أماكن يتخلّلها الدّوح ، ويعظم الرّيع ، وتخصر الحرباء ، وتسمو عن جانبها الجبال الشم ، والشعبات التي تزلّ بها العصم ، وتفضي دروبه إلى أقوار (٥٠٣) فسيحة وأجواء رحيبة ، يكتنفها العمران ، ويموج بها السنبل.
ولما كدنا أن نختم عدد نوب المجاز ، ونأتي على عنته ، تلقتنا الخيل راكضة أمام اليعسوب المتبوع عبد العزيز بن محمد الهنتاني ، صنوه وحافظ سيقته ، وقسيمته في قعساء عزته ، الحسن الوجه ، الراجح الوقار ، النبيه المركب ، الملوكي البزه ، الظاهر الحياء المحكم الوخط إيثارا للحشمة واستكثارا من مواد التجلة على الفتاء والجدة. فرحّب وأسهل ، وارتاح واغتبط ، وألطف وقدّم ، وصعدنا الجبل إلى حلّة سكناه ، المستندة إلى سفح الطّود ، وقد هيأ ببعض السهل الموطأ للاعتمار بين يدينا من المضارب كل سامي العماد ، بعيد الطّنب ، سويّ القامة ، مقدّر التفاصيل ، بديع النقش والصنعة ، ظاهر الجدة ، مصون عن البذلة ، يظلل من مراتب الوطاء الرفيع ، ولحف الحرر (٣ ط) ومساند الوشي ، وانطاع مزعفر الجلد ما تضيق عنه القصور المحجّبة والأبهاء المنضدة. ولم يكد يقر القرار ، ولا تنزع الخفاف ، حتى غمر
__________________
(٥٠٢) الواو هنا زيادة كي يستقيم المعنى
(٥٠٣) انظر ما كتبه دوزي في معنى قور وأقوار في : (Dozy : Supplement aux Dictionnaires Arabes. II p. ٧١٤ a)