من الطعام البحر ، وطما الموج ، ووقع البهت ، وأمّل الطّحو (٥٠٤) ، ما بين قصاع الشيزي أفعمها الثرد ، وهيل بها السمن ، وتراكبت عليها لسمان الحملان الأعجاز ، وأخونة تنوء بالعصبة أولي القوة ، غاصّة من الآنية بالمذهب والمحكم ، مهدية كل مختلف الشكل ، لذيذ الطعم ، مهان فيه عزيز التابل ، محترم عنده سيدة الأحامرة الثلاثة (٥٠٥) ، إلى السمك الرضراض والدجاج فاضل أصناف الطيّار ، ثم تتلوها صحون نحاسية تشتمل على الطعام خاص من الطير والكبّاب واللقالق (٥٠٦) ، يقع منها بعد الفراغ إلمام ذلك الرئيس في نفر من خاصته مما يدل على اختصاص ذلك بنفسه. ويتلو ذلك من أصناف الحلواء بين مستبطن للباب البر ، ومعالج بالقلو ، وأطباق مدّخر الفاكهة وأوعية العود المحكم الخلق ، المشتملة على مجاج الشهد. وقد قام السماط من خدام وأساودة أخذتهم الآداب وهذبتهم الدّربة ، فخفّت منهم الحركة ، وسكنت الأصوات ، وانشمرت الأذيال ، وقد اعتمّ من الآنية النحاسية للوضوء والوقود كل ثمين القيمة ، فاضل أجناسه في الطيب والأحكام والفخامة.
ولم يكد يفرغ من الأكل إلا وقد جنّ الليل ، وتلاحق من الطعام السيل ، مربيا على ما تقدم بالروية وانفساح زمان الاحتفال ، وتفنن أصناف الحلواء ، وتعدّى (٤ و) عسليّها إلى السكر ، وكان السّمر والمجالسة في كنف لألاء الشموع الضحاكة فوق المنصات النحاسية ، والأنوار اللاطونية (٥٠٧).
فاستعيد الكثير من تاريخ القطر وسيره ، وخبر لجأ السلطان المقدس أمير المسلمين أبي الحسن (٥٠٨) إلى قنتة ، والتحرم بمنيع وعز جواره على تقية هيض
__________________
(٥٠٤) أي الانبساط والامتلاء.
(٥٠٥) عبارة يقصد بها أصلا اللحم والمسك والخمر.
(٥٠٦) اللقلق طائر طويل العنق والرجلين يوصف بالذكاء والفطنة.
(٥٠٧) لعلها مشتقة من الكلمة الإسبانية لاطون Laton بمعنى النحاس الأصفر. وقد استعملها المقّري في (نفحه ج ١ ، ص ٣٠٣ ، ٣٦٢). راجع. (Dozy : Suppl.II ,p.٨١٦ a)
(٥٠٨) أبو الحسن علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق (٧٣١ ـ ٧٤٩ ه) عاشر ملوك بني مرين بفاس. كان رجلا مجاهدا قويا طموحا ، استطاع أن يوحد المغرب تحت سلطانه ثم يتجه بجيوشه وأساطيله نحو الأندلس لغزو الأراضي المسيحية والسيطرة على مضيق جبل طارق.