جناحه ، وتبرّى أثيره عميد العساكر منه ، وإطراق العيون عند نجدته ، وتصاميم المسامع عند هاء استغاثته ، وقد خذل النصير ، وزلّت الأقدام وساءت الظنون ، وما كان من إجابة هذا النّدب عبد العزيز لندائه ، والتبجح بمنعة جبله ، ووفور عدته ، وأصيل وفائه واستصحابه إلى مقر أهله ومفزع ولده ، ودفاعه بنفسه وقبيله ورضاه بتغير ما تناله الأيدي بالسهل من نعمته ، فعادت قاعا صفصفا بمرآي من عينه ، فعاثت فيها السنة النار بأرض البوار عن طيب من نفسه حتى لكادت الكرة أن تتاح ، والدولة أن تتداول ، والملك أن يثب ، والعثرة أن يقال لها لعا. ولو لا طارق الأجل الذي فصل الخطة ، وأصمت الدعوة ، ورفع المنازعة. فتوفّاه الله بين السحر والنحر ، والأنف والعين ، وأستأمن من بعده لمن كان خلص إليه من خدامه ، وانحدر طوعا بين يدي سريره ، وأبقى محل وفاته مرفّها عن الابتذال بالسكنى ، مفترشا الحصباء مقصودا بالابتهال والدعاء ، فتخلفها أي منقبة شمّاء ، ومأثرة بلغت ذوائبها أعنان السماء ، ويدا على (٤ ط) الخلق بيضاء.
ومن الغد كان التوجّه إلى ذلك المحل المبارك ، فاقتحمنا وعرا نزل فيه الذرّ (٥٠٩) ، ولا يسلكه مع الحلم الطيف. وتسنّمنا شعابا تعجز عنها العصم ،
__________________
غير أن الجيوش الإسبانية ومن انضم إليها من جيوش المتطوعين الأوربيين انتصرت عليه في وقعة بالقرب من مدينة طريف ومن نهر سلادو ؛ ولذا سميت في المصادر العربية بوقعة طريف وفي المصادر الإسبانيةSalado del rio وذلك في عام ١٣٤٠ م / ٧٤١ ه وقد مات في هذه الوقعة والد ابن الخطيب وأخوه. بعد هذه الهزيمة ثار المغرب الأوسط أو الجزائر على السلطان أبي الحسن يريد الاستقلال عن فاس بزعامة بني عبد الواد كما ثار عليه ابنه فارس أبو عنان. ولم يتحمل السلطان أبو الحسن هذه الكوارث المتلاحقة ، فمات حزينا شهيدا عام ٧٤٩ ه عند بني عامر في جبل هنتاته. ولهذا السلطان آثار معمارية كثيرة بالمغرب الأقصى والأوسط وبالأندلس.
راجع ترجمته في (ابن مرزوق : المسند الصحيح الحسن في مآثر مولانا أبي الحسن) وقد نشره المستشرق ليفي بروفنسال تحت عنوان : (Un nouveau texte d histoire merinide : le musnand d Ibn Marzuk. Hesperis V ٥٢٩١)
انظر كذلك (ابن خلدون : العبر ج ٧ ، ص ٢٧٨ وما بعدها ؛ السلاوي : الاستقصا ج ٢ ، ص ١٠١ ـ ١٠٢ ؛ المقّري : نفح الطيب ج ٨ ، ص ٣١٩ ـ ٣٢٢)
(٥٠٩) الذر : صغار النمل.