وتجاوزنا مهاوي مدت فيها أسراط من الخشب ترتفع عند الضرورة الفادحة ، فتنقطع عمّن وراءها الآمال ، إلى أن أفضينا ولم نكد إلى المحل المقصود وهي دار قوراء نبهة البنية بالنسبة إلى جنسها (٥١٠) ... ساذجة بادية ملطّخة الجدرات بالطين الأحمر ، متقابلة الأشكال بيوتها ، لاطية السقف غير مهذّبة الخشب ، بأعلاها غرف من جنسها ، يدور بداخلها برطال (٥١١) مستعل على أرجل متّخذة من اللبن ، والحجر ملبّس بالطين ، والبيت حيث متوفى السلطان مفترش بالحصباء ، قد ترك فيه دائرة كالقصعة تباشر الثرى ، وتمكن من تربته من يقصد شفاء المرضى ، وكحل العيون المرهى ، إذ كان رحمهالله آخر ملوك العدل نشأة ، لم تعرف الخبائث ، ولا آثرت الملاذ مغنيا في برّ والديه مصرّفا في انتساخ الذكر الحكيم يمنى يديه ، محافظا على الصلاة قيّوما عليها بالليل ، كثير الصدقة والصوم ، مجالسا للعلماء ، مستكشفا أحوال الرعايا ، حانيا على الضعفاء ، معملا في سبيل الله بيض الظبا (٥١٢) ، صابرا على اللأواء ، محتسبا في البلوى ، مستشعرا شعار التقوى ، ألحقه الله بالرفيق الأعلى. وبإزائه مصراع باب غسلت عليه جثّته الزكية ، لا تتمالك العين أن تنتثر سلوك دموعها ، ولا القلوب أن تأخذ الحسرة بكظمها ، لما عضّ ذلك الملك الحلاحل (٥١٣) من الخطب الذي عوضه من نضرة النعيم ، ووجوه الغرانقة (٥١٤) الغر ، والتوكّؤ على النمارق المصفوفة ، والزرابي المبثوثة ، في المتبوأ الكريم ، واستثقال طلعة البدر ، واستجفاء هبّة النسيم بقنن الجبال الغبر ، وسكنى المحال الخشن ، ومفارقة الأهل والولد عند فراق الروح للجسد. جعلنا الله من الدنيا على حذر وتوق ، وكتبنا ممن قدر قدره ولم يأمن مكره. فقعدنا
__________________
(٥١٠) هنا ثلاث كلمات غير مقروءة تماما ورسمها الآح بحق بها
(٥١١) المقصود البرطال أو البرطل : المدخل ويقابلها في اللغة الإسبانيةEl Partal وفي الإنجليزيةPortico وفي الفرنسيةPortique. انظر (جمال محرز : الرسوم الجدارية الإسلامية في البرطل بالحمراء ص ١٣ ـ ١٤) ، مدريد ١٩٥١.
(٥١٢) يقصد السيوف
(٥١٣) الحلاحل أي العظيم
(٥١٤) جمع غرنيق وهو طائر مائي أبيض جميل ، ويطلق كذلك على الشاب الأبيض الجميل الصورة