إلى أخيه كبيره (٥٣٥) وهو على سموّ قدره وعلوّ ذروته ، أشد الناس إيجابا لحقّه ، وانخفاضا لبأوه ، وتطامنا بمجلسه ، يقرضه وزان الأب في إلانة القول ، وانكسار الطرف تتميما لوظائف المجد ، وإقامة لسوق الحرية. فأورى عند لقائنا إياه زنده ، وعقّب الصلة الجزيلة عذره ، وبلغ قصبات السبق فضله.
وانحدرنا من الغد إلى مدينة أغمات وريكة (٥٣٦) عن درج نزلنا لجرّاه عن الظّهر. وقدنا الدواب قودا ، فجازت ناحية عن صراط بعد سياط ومياط. واجتزنا على ديار هنتاته بذلك السفح على حدود أضدادهم الوريكيين ، وقد أسهلوا وانبسطوا ، ومثلت لهم الديار الحمر ، تحفّ بها البساتين الخضر ، تخترقها المذانب (٥٣٧) الزّرق. وأرحنا ن تلك الجهة بالمسجد البديع الحافل البنية ، السامي المئذنة (٥٣٨) ، المقام لصق دار موسى بن علي الهنتاتي ، البادي طللها ، المنبئة عن أخبارها آثارها ، توسعه ما شاء من ثناء ورحمة.
ثم أتينا مدينة أغمات في بسيط سهل موطّأ لا نشز فيه ينال جميعه السّقي الرّغد ، وتركبه الخلجان وقد تموّج به العشب ، وعافته الأيدي وغلّت أيدي فلاحه الفتنة. وهذه المدينة قد اختطت في الفضاء الأفيح ، فبلغت الغاية من رحب الساحة وانفساح القورة ، مثّلت قصبتها منها قبله ، وسورها محمرّ الترب ، سجح الجلدة ، مندمل الخندق ، يخترقها واديان اثنان من ذوب الثلج وسور الجبل ، قامت بضفّتيها الأرحاء واردة وصادرة ، مرفوعة
__________________
(٥٣٥) يقصد عامر بن محمد الهنتاتي.
(٥٣٦) تقع مدينة أغمات في جنوب مدينة مراكش على سفح جبال مدينة أطلس. وكانت في ذلك الوقت عبارة عن مدينتين متقابلتين : أغمات عيلان ، وأغمات وريكة. وكان بينهما عداء وقتال دائم. وكل فريق كان يصلي في الجامع منفردا. وقد زال هذا العداء فيما بعد كما زالت أغمات وريكة في القرن السادس عشر الميلادي. انظر : (J. Leon Africano Descripcion de Africa p. ٣٧).
انظر كذلك (صفي الدين البغدادي : مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع ج ١ ، ص ٩٨) انظر كذلك (البكري ٣٣٩ ـ ٣٤٠)
(٥٣٧) أي الجداول
(٥٣٨) المأذنة في الأصل.