الأسداء ، منيعة البناء. يمرّ أحدهما بشرقي المسجد الجامع طامي العباب محكم الجسور ، نظيف الحافّة ، نزهة للأبصار وعبرة لأعين النظّار. ومسجدها المذكور عتيق عادي كبير الساحة ، رحيب الكنف متجدّد الألقاب. ومئذنته (٥٣٩) لا نظير لها في معمور الأرض. أسّسها أولوهم مربعة الشكل وما زالوا يبخسون الذرع ، ويجحدون العرض ، حتى صارت مجسّما كاد يجتمع في زاوية المخروط. وأدير عليه فارز من الخشب يطيف بناء (٥٤٠) لاط ، وقد أطل سامي جامورها (٥٤١) فوقه ، فقبحت حتى ملحت واستحقت الشهرة والغرابة.
وأهل هذه البلدة ينسب إليهم نوك (٥٤٢) وغفلة علّتها ، إن صدقت الأخبار ، سلامة وسذاجة ، فتعمر بملحهم الأسمار ، وتتجمل بنوادر حكاياتهم الأخبار. فمنها أن ملك المغرب لما عجب من هذه المئذنة ، استأذنوه في نقلها إلى بلده على سبيل الهدية ، يجعلونها تحفة قدومه ، وطرفة وفادته.
وبإزائها المسجد ، بينه وبين النهر المار بإزائه قبّة عظيمة القبو ، فخمة البنية ، ترقص فيها فوّارة خرقاء في خصّة من الحجر الأدكن مشطوفة الباطن رحيبة القطر ، قد تثلّمت بعض حافاتها لمماسة الأيدي ، ومباشرة أجرام الخزف والفخار عند الاغتراف بما ينبئ عن قديم عهد وطول مدة.
وللسلطان بهذه المدينة دور حافلة تدل على همم ومعالي أمم ، واحتفال عوالم درجوا وأمم ، قد ركلها العفا وجذب معاطفها الخراب. فما شئت من خشب منقوشة وأطم (٥٤٣) مرقومة.
__________________
(٥٣٩) ومأذنته في الأصل.
(٥٤٠) كذا في الأصل ولعلّ الصواب ببناء.
(٥٤١) جامور ، وجمعها جوامير أو جامورات ، معناها عامود في أعلا البناء. انظر :(R.Dozy Suppi ,,t.I ,p.٢١٢ b)
(٥٤٢) نوك بمعنى حمق.
(٥٤٣) أطم بمعنى حصون.