وبداخل هذه المدينة بساتين وجنّات ، ولم يبلغ الخراب من مدينة ما بلغ من هذه الأيّم (٥٤٤) المهتضمة ، فتشعثت محاسنها ، وأخلقت ملابسها وأوحش عمرانها لتتابع الفتن وعيث الشّرار لا تعبّدهم الطاعة ولا ترعهم الشريعة. أنقذ الله من لهاة التبّار (٥٤٥) فريستها واستدرك بمدافعته مسكنها.
وأطرفني الخطيب بها بأخبار من اعتقل فيها من مخلوع ملوك الأندلس وأمراء طوائفها كالمعتمد بن عبّاد ، وأبي محمد عبد الله بن بلقّين بن باديس (٥٤٦) أمير وطننا غرناطة. ووقفني على تاريخ صدر عنه أيام اعتقاله ، يشرح الحادثة على ملكه في أسلوب بليغ ختمه بمقطوعات من شعره تشهد بفضله (٥٤٧).
وزرت بخارجها قبر المعتمد على الله أبي القاسم بن عبّاد ، أمير حمص (٥٤٨) وقرطبة والجزيرة وما إلى ذلك الصقع الغربي رحمهالله ، وهو بالمقبرة القبليّة عن يسار الخارج من البلد ، قد توقل (٥٤٩) نشرا غير سام وإلى
__________________
(٥٤٤) الأيم : الرجل الذي فقد زوجته أو المرأة التي فقدت زوجها ، وجمعها أيائم وأيامي وأيمون وأيمات.
(٥٤٥) التبار يعني الهلاك.
(٥٤٦) الملك المظفر عبد الله بن بلقين بن باديس بن حبوس بن ماكسن بن زيري بن مناد الصنهاجي. ملك غرناطة وأحد ملوك الطوائف بالأندلس في القرن الخامس الهجري. ولم يقتله المرابطون حينما ملكوا الأندلس كما فعلوا بمعظم ملوك الطوائف ، واكتفوا بنفيه إلى المغرب ، ولعل ذلك راجع إلى أصله البربري. انظر (ابن الخطيب : الإحاطة لوحة ٢١٣ ـ ٢١٤)
(٥٤٧) عشر المستشرق الفرنسي ليفي بروفنسال على هذا التاريخ القيم بجامع القرويين بفاس. وقد نشر بعضه تحت عنوان (مذكرات الأمير عبد الله آخر ملوك بني زيري في غرناطة) وذلك في مجلة الأندلس بمدريد عامي ١٩٣٥ ـ ١٩٣٦. Levi Provencal : Les Memoires de Abd Allah, dernier roi Ziride de Grenade Al Andalus Vol. (III ٥٣٩١, Vol IV ٦٣٩١ ـ ٩٣٩١)
ولقد عاد الأستاذ المذكور فأخرج النص كاملا في كتاب مستقل من مجموعة ذخائر العرب عام ١٩٥٥ قبل وفاته بقليل.
(٥٤٨) المقصود بحمص هنا مدينة إشبيليةSevilla ، وقد جرت عادة المسلمين في الأندلس أن يشبّهوا بعض مدنها بأسماء المدن المشرقية ، فسمّوا غرناطة دمشق ، ومالقه الأدرن ، وتدمير (مرسية) مصر وهكذا.
(٥٤٩) توقل : صعد وارتفع.