المغرب والأندلس ، فليس بمستبعد أن يكون ابن الخطيب قد زار هذه البلاد في شبابه سعيا وراء العلم والاتصال بعلماء عصره كما كان يفعل مواطنوه. وكيفما كان الأمر ، فالذي يعنينا هنا ، أن ابن الخطيب حينما تولّى الوزارة ، رافق سلطانه أبا الحجاج يوسف الأول في رحلته التفتيشية بمقاطعات غرناطة الشرقية عام ٧٤٨ ه ، كذلك زار ابن الخطيب بلاد المغرب الأقصى كسفير لسلطان غرناطة في عامي ٧٤٩ و ٧٥٥ ه (٢) ثم التجأ إليها مرّة ثالثة عند ما نفي مع سلطانه المخلوع محمد بن يوسف بن نصر ، الغني بالله ، عام ٧٦٠ ه. ولقد استمرّت مدّة النفي ما يقرب من الثلاث سنوات عاد بعدها ابن الخطيب مع سلطانه إلى مقر حكمه مرّة أخرى.
على أن المهم هنا ، هو أن ابن الخطيب طوال مدّة النفي هذه ، لم يقبع في مدينة فاس عاصمة بني مرين كما فعل سلطانه وبقيّة الحاشية واللاجئون
__________________
(٢) يجدر بنا أن نشير بصدد هذه السفارة الأخيرة ، إلى أن سلطان المغرب أبا عنان فارس ، دعا ابن الخطيب إلى حفل رياضي ليشاهد الحرب بين الثور والأسد ، على ما جرت به عادة الملوك. وقد وصف ابن الخطيب هذه المصارعة في إحاطته ج ٢ ، ص ٦ ، ٧ (طبعة القاهرة ١٣١٩ ه) وقد أشار إلى أن هذا الصراع بين الوحشين قد انتهى بانتصار الثور وجرح الأسد. عندئذ خرجت طائفة من الرجال المسلحين أخذوا يناوشون الأسد الجريح إلى أن قتلوه بعد أن أردى بعضهم.
يكن الصراع مع الوحوش قاصرا على المغرب ، بل كان منتشرا أيضا في الأندلس ومن العجيب أن ابن الخطيب في موضع آخر من كتاب الإحاطة (نسخة الاسكوريال لوحة ٤٤١) يشير إلى انتشار مصارعة الثيران بين عليّة القوم من أهل غرناطة. وهذا أقدم نص وجدناه عن هذه المصارعة المشهورة الآن في إسبانيا وأمريكا اللاتينية. وكانت الطريقة كما يصفها ابن الخطيب هي أن يطلق الثور (أو البقر الوحشي كما كان يسميه) ثم تطلق عليه كلاب اللان المتوحشة (Bulldogs) ، فتأخذ في نهش جسمه وأذنيه متعلقة بها كالأقراط. وهذا العمل التمهيدي كان الغرض منه هو الحد من قوة الوحش وتهذيب حركته ، وهو ما يقوم مقامه اليوم عمل رماة السهام Banderilleros وطاعن الرمح Picador وذلك تمهيدا للقاء المصارع. وكان المصارع الغرناطي كما يصفه ابن الخطيب ، فارسا مغوارا يصارع الثور وهو ممتط فرسه المدرب ثم يقتله في النهاية برمحه. وهذا النوع من المصارعة لا يزال موجودا إلى اليوم ، ويسمّى الفارس المصارع باسم رخونيادورRejoneador نسبة إلى الرمح القصير الذي يستعمله في قتل الثور واسمه رخون Rejon.
وتنبغي الإشارة إلى أن هذا النص العربي القديم لم يرد ذكره في الموسوعة الكبرى التي ألّفها خوسيه ماريا قوسيو عن الثيران. انظر (Jose maria Cossio : Los Toros ,٣ Tomos)