والله يتجاوز عمّا جرت من نكير ، فهو الذي يؤاخذ بما كسبت الأيدي ويعفو عن كثير.
ورحلنا من الغد في سهل اقتحمنا به حدود الصناهجة (٦٢٧) وبتنا بموضع يعرف باسكاون بإزاء رجل منتم للصوفية أعجم اللسان ، قام بالنزول على خصاصة واضطرار ، فأنبنا له واحتسبنا كدحه.
وعدنا من الغد إلى أزمّور (٦٢٨) ، فرأينا صدق المثل في قولهم العود أحمد ، فتلقينا بها أصناف الفضلاء مصحرين ، ولوظائف البر متمّمين وقاهم الله معرّات السنين ، وكرّم وجوههم يوم تبيض وجوه وتسود وجوه في يوم العرض والدين.
وبرز إلينا الحسن بن يحيى بن حسّون ، فتى الفتيان بالمغرب ، وغاية السّرو ، وآية المروءة ، والمثل البعيد في الإيثار على الخصاصة ، ومخجل الضيف ، وريحانة التلطف ، فأربى الخبر (٦٢٩) على الخبر والحمد لله.
وكان السفر عن تشييع تتعلق بالأهداب أظفاره ، وفضل عمّ الخافقين اعتذاره وأوجب ذلك ما خاطبتهم به :
إحسانكم يا بني يحيى بن حسّون |
|
أزرى على كل منثور وموزون |
قد جددت زينة الدنيا برامكة |
|
منكم مكارمها لم ترض بالدون |
أبناء يحيى وقتهم كلّما ولدوا |
|
عناية الله من موسى وهارون |
بالأحسن الندب زاد الله بيتكم |
|
حسنا فأهلا بطلق الوجه ميمون |
__________________
(٦٢٧) الصناهجة قبائل كثيرة من البربر في المغرب ، وتعرف باسم صنهاجة بكسر الصاد وإن كان من المعرف في المغرب فتحها. انظر (تاج العروس ج ٢ ، ص ٦٧) انظر كذلك (Ency.of Islam ,art Sanhaga).
(٦٢٨) أزمور : مدينة على ساحل المحيط بالمغرب الاقصى على الحافة اليسرى لمصب نهر أم الربيع.
راجع (القلقشندي : صبح الأعشى ج ٥ ، ص ١٧٢ ، ابن خلدون : التعريف ص ٤٤ حاشية ٤ ؛ الوزان : نفس المصدر ص ٨٣).
(٦٢٩) الخبر : العلم بالشيء ، يقال (صدق الخبر الخبر) أي أن الاختبار بالمشاهدة اثبت الخبر المسموع.