التقديم ، ما شئت من ساحة طيبة الأديم ، رحيبة كصدر الحليم ، متناسبة الوضع بتقدير العزيز العليم ، تبرّجت تبرّج العقيلة ، ونظرت وجهها من البحر في المرآة الصقيلة.
وركب السلطان أيّده الله ثالث يوم وروده إلى مشاهدة قلعتها الشّمّاء ، المتعلّقة بعنان السماء ، فقدح سكانها زناد البارق المتألّق ، وتلعب صبيانها (٢٢٣) على جناح الطائر المحلّق ، وعلى سموّ مكانها وجلالة شأنها ، فدولابها (٢٢٤) شجى المزمار (٢٢٥) ، ومياهها في انهمار ، وخزائنها (٢٢٦) تستغرق (٢٢٧) طول (٢٢٨) الأعمار ، وعددها كفيلة لحماية الذمار ، فعوّذناها من كل خطب فادح ، وحيّينا بها بهو خيران (٢٢٩) وقصر ابن صمادح (٢٣٠) ونظرنا إلى تلك الآثار
__________________
(٢٢٣) في (ب) صبيتها
(٢٢٤) كذا في النسختين وقرأها مولر قد ولا بها
(٢٢٥) في (ب) المضمار
(٢٢٦) في (ا) وجزانيها
(٢٢٧) في (ب) نستغرق
(٢٢٨) في (ب) بطوال
(٢٢٩) خيران الصقلبي الخصي العامري ، كان في الأصل مملوكا للمنصور ابن أبي عامر دكتاتور إسبانيا أيام الخليفة هشام الثاني المؤيد ، ثم تدرّج في الرقي حتى صار رئيسا لحزب الصقالبة في أواخر أيام الخلافة الأموية بقرطبة. ثم تمكن خيران من الاستقلال بولاية المرية عام ٤٠٣ ه سنة ١٠١٢ م وصار يدعى بالخليفة وبالفتى الكبير. وتنسب لخيران أعمال معمارية كثيرة ولا تزال آثارها باقية إلى اليوم في المريه ، ومن أهمها بقايا القصر والقلعة المسمّاة بالقصبة. وقد مدحه الشاعر الأندلسي ابن درّاج القسطلي بالقصيدة التي مطلعها :
الخير قد أوفى بعهدك خيران |
|
وبشراك قد آواك عزّ وسلطان |
وتوفي خيران عام ٤١٩ ه سنة ١٠٢٨ م
انظر (أحمد مختار العبادي : الصقالبة في إسبانيا ، لمحة عن أصلهم ونشأتهم وعلاقتهم بحركة الشعوبية. مدريد ١٩٥٣)
(٢٣٠) ملوك بني صمادح حكموا المرية في فترة ملوك الطوائف (من عام ١٠٤١ ـ ١٠٩١ م) وأهم ملوك هذه الأسرة المعتصم بالله محمد بن معين بن صمادح التجيبي (١٠٤١ ـ ١٠٩١ م) وكان رجلا محبّا للعلوم والآداب وبلاطه حافلا بالشعراء والكتّاب أمثال ابن الحداد الوادي آشي وابن شرف البرجي ، بل كان أولاده ينظمون الشعر أيضا ونذكر منهم ابنه رفيع الدولة وأبنته الأميرة أم الكرام. وعندما غزا المرابطون البر بر مملكته كان المعتصم بن صمادح على فراش الموت ، فقال عبارته المشهورة : ـ