اللّبات (٤١٢) سلوكا تأثر من الحصباء بكل درّ ثمين ، وترك الأرض مخصرة تغير من خضراء السماء ضرّة ، والأزهار مفترّة ، والحياة الدنيا بزخرفها مغترّة
أيّ واد أفاض من عرفات |
|
فوق حمرائها أتمّ إفاضه |
ثم لما أستقر بالسهل يجري |
|
شقّ منها بحلّة فضفاضه |
كلما انساب كان عضبا صقيلا |
|
وإذا ما استدار كان مفاضه |
فتعدّدت القرى والجنات ، وحفّت بالأمّات (٤١٣) منها البنات ، ورفّ النبات وتدبجت الجنبات ، وتقلدت اللبات ، وطابت بالنواسم المهبات ، ودارت بالأسوار دور السوار ، المنى والمستخلصات ، ونصبت لعرائس الروض المنصّات ، وقعد سلطان الربيع لعرض القصّات ، وخطب بلبل الدوح فوجب الإنصات ، وتموّجت الأعناب ، واستبحر بكل عذب منها الجناب. وزينت السماء الدنيا من الأبراج العديدة بأبراج ذوات دقائق وأدراج ، وتنفّست الرياح عن أراج ، أذكرت الجنة كل آمل ما عند الله وراج. وتبرّجت بحمرائها القصور مبتسمة عن بيض الشرفات ، سافرة عن صفحات القبات المزخرفات ، تقذف بالأنهار من بعد المرتقى فيوض بحورها الزرق ، وتناغي أذكار المآذن بأسحارها نغمات الورق (٤١٤) ، وكم أطلعت من أقمار وأهلّه ، وربّت من ملوك جله ، إلى التمدين المحيط الاستدارة ، الصادر عن الأحكام والإدارة ، ذي المحاسن المعارة ، المعجزة لسان الكناية والاستعارة ، حيث المساجد العتيقة القديمة ، والميازب (٤١٥) الحافظة للريّ المديمة ، والجسور العريضة ، والعوائد المقدّرة بنفائس الأذواق ، والوجوه الزهر والبشرات الرقاق ، والزيّ الذي فاق زيّ الآفاق ، وملأ قلوب المؤمنين بالإشفاق :
بلدة جلّلها الله سناء وسنا |
|
وأجرّ السعد من حلّ لديها رسنا |
__________________
(٤١٢) اللبات : النحور.
(٤١٣) أمات وأمهات جمع أم قيل الأمهات للناس والأمات للبهائم.
(٤١٤) الورق : الحمام ومفردها ورقاء.
(٤١٥) الميزاب والمئزاب : القناة يجري فيها الماء وجمعها ميازيب وميازب ومآزيب وربما قيل أيضا موازيب.