قد أجنت سكرا جّما ورزقا حسنا |
|
أعجزت من منتهى الفخر السعيد لسنا |
يروقك في أطرافها حسن الصور وجمالها ، وطرف الصنائع وكمالها ، والفعلة وأعمالها ، حتى الأطلال وانهمالها ، والسؤال وأسمالها :
كلّ عليه من المحاسن لمحة |
|
في كل طور للوجود تطوّرا |
كالروض يعجب في ابتداء نباته |
|
وإذا استجم به النبات ونوّرا |
وإذا الجمال المطلق استشهدته |
|
ألغيت ما انتحل الخيال وزوّرا |
ثم قال أيّ آمن عري من مخافه ، وأيّ حصافة لا تقابلها سخافة ، ولكل شيء آفة. لكنّها والله بردها يطفئ حرّ الحياة ، ويمنع الشفاه عن ردّ التحيات ، وأسعارها يشعر معيارها بالترّهات ، وعدوّها يعاطى كؤوس الحرب بهاك وهات. إلى السكك التي بان خمولها ، ولم يقبل الموضوع محمولها ، والكرب الذي يجده الإنسان فيها ، صادف إضاقة أو ترفيها ، والمكوس التي تطرد البركة وتنفيها. إلى سوء الجوار وجفاء الزوّار ، ونزالة الديار ، وغلاء (٤١٦) الخشب والجيّار (٤١٧) وكساد المعائش عند الاضطرار ، وإهانة المقابر
__________________
(٤١٦) أشار المؤرّخون المعاصرون أمثال ابن خلدون في مقدمته (ص ٣٦٤ ، ص ٤٣٢) والحسن النباهي في كتابه المرقبة العليا (ص ١٦٤ نشر ليفي بروفنسال) إلى غلاء المعيشة في غرناطة ، وأرجعوا ذلك إلى صعوبة أرضها الجبلية وحاجتها المستمرّة إلى الكثير من العناية والجهد والأموال لإصلاحها. وقد نتج عن ذلك أن اشتغل الناس بمشاكل هذه الحياة القاسية وانصرف معظمهم عن التعليم الذي كانت أجوره مرتفعة كذلك. واضطرّ عدد كبير من أهل غرناطة إلى الرحيل إلى مصر ـ زعيمة العالم الإسلامي في ذلك الوقت (القرن ١٤ م) ـ حيث المدارس الكثيرة العدد ، والتعليم المجاني ، والمنح الدراسية (الجرايات) ودور الإقامة للطلبة الغرباء (الأروقة) ، هذا إلى جانب رخص المعيشة وتوفر أسبابها وقد بلغ من كثرة عدد المسافرين من مدينة غرناطة إلى المشرق أن سمّي أحد أرباضها الخارجية باسم (حوز الوداع) وهو المكان الذي اعتاد فيه الغرناطيون توديع أهاليهم وأحبابهم قبل رحيلهم. راجع (المقّري : نفح الطيب ج ١٠ ، ص ٢٣٠).
وغير بعيد بالمرّة أن يكون هذا المكان هو نفس المكان المعروف حتى اليوم باسم del moro Suspiro أي زفرة العربي ، والذي ترجعه الرواية الإسبانية إلى الملك أبي عبد الله بن الأحمر آخر ملوك غرناطة حينما غادر ملكه وبلاده ، ووقف في هذا المكان وهو يبكي ليلقي آخر نظرة على موطن عزه ومجد آبائه سنة ١٤٩٢. وتضيف الرواية أن أمّه عائشة قالت له وقتئذ : «أجل فلتبك كالنساء ملكا لم تستطع أن تدافع عنه كالرجال. انظر (J. F. Kirk : Prescott s Ferdinand and Isabella p. ٥٦٢.
(٤١٧) الجيار : الكلس قبل أن يطفأ.