فارضي صاحبك فانطلق أبو ذر ليرضي صاحبه فسبقه الرجل فسلم عليه فذكر ذلك لرسول الله صلّى الله تعالى وسلم عليه فقال يا أبا ذر ارفع رأسك فانظر ثم اعلم بأنك لست بأفضل من أحمر ولا أسود إلا أن تفضله بعمل ثم قال إذا غضبت فإن كنت قائما فاقعد وإن كنت قاعدّا فاتكئ وإن كنت متكئّا فاضطجع (١).
وعنه عليهالسلام العلم بالتعلم والحلم بالتحلم ومن يتحرى الخير يعطه ومن يتوق الشر يوقه. إذا تلتمس للناس عيبّا تجد لهم عيوبّا ولكن الذي فيك أكثر يحكى عن بعض السلف ، أنه [راى] بمكة ما لا يرتضي من سنائها ، فأنكره ، واضطرب فيه فكره فلما كان الليل ، راى قائلا (ينشد هذه الأبيات) :
إذا نحن شيئّا لا يدبر ملكنا |
|
سوانا ولم نحتج مشيرا مدبرا |
فقل للذي قد رام ما لا نريده |
|
وأتعبت نفسا بالذي يتعذر |
لعمرك ما التصريف إلا لواحد |
|
ولو شاء لم يظهر بمكة منكر |
وفي كتاب المقاصد الحسنة ، للحافظ السخاوي «بسفهاء مكة حشو الجنة» حديث تنازع فيه عالمان في الحرم فأصبح الطاعن فيه وقد اعوج أنفه (٢).
ورأى قائلا يقول له سفهاء مكة من أهل الجنة ثلاثّا فاعترف بالكلام فيما لا يعنيه ويقال : إنه ابن أبي الصيف اليمني وأنه كان يقول إن ثبت فإنما هو إسفاء مكة. تصحف على الراوي ومعناه المحزون على [تقصيرهم](٣) انتهى بمعناه والكلام في مثل ذلك كثير وفي الجامع الصغير المدينة خير من مكة وفي المواهب بسنده المدينة أفضل من مكة وعن مالك رحمهالله تعالى ما على وجه الأرض قوم خير من أهل المدينة ، وإذا كانت المدينة الشريفة بهذا المكان من الفضيلة والشرف فلا غرو [أن](٤) يطيب بها من حلها فمن أهلته الحضرة الشريفة للحلول بها والتشرف بتربها فكيف بأشرافها وأبناءها الذين هم غراسها ولله در القائل.
كفى شرفّا أني مضاف إليكم |
|
وإني بكم أدعى وأرعى وأعرف |
إذا بملوك الأرض قوم تشرفوا |
|
على نسبه منكم من الطيب أعرف |
وقال آخر :
__________________
(١) أخرجه البخاري في الإيمان ١ / ١٠٦ الحديث ٣٠. وأخرجه مسلم في الإيمان ٣ / ١٢٨٣ الحديث ٤٠ (١٦٦١).
(٢) انظر / المقاصد الحسنة للسخاوي (ص / ٢٥١). الحديث ٥٦٤.
(٣) في ب [المحزونون].
(٤) سقط من ب.