كان علينا أن نسلك في العودة الطريق نفسها التي سلكناها في المجيء ، وأن نضع أقدامنا على آثار خطواتنا التي ما زالت واضحة. تجاوزنا مرة أخرى السهل الكبير الذي نزل فيه العبرانيون بقيادة هارون (١) الأخ الشقيق لموسى ، وعبدوا العجل فجأة. ثم هبطنا بعد ذلك عبر نقب الدير الذي يبدو لي الآن ، لو كان ذلك ممكنا ، أكثر تهدما وأكثر رعبا أيضا من المرة الأولى. لقد التقينا أحد المسافرين الأوروبيين وهو يصعد القمة / ٨٩ / ولما كان هو أيضا يقوم بزيارة الدير فقد نصحنا له بأخوة ، وبلا إلحاح أن يكون حريصا كل الحرص على أمواله ، ولم نقابل أحدا آخر حتى نهاية الرحلة إلى سيناء.
__________________
(١). يزعم العهد القديم أن بني إسرائيل عبدوا العجل الذهبي الذي صنعه لهم هارون في غياب موسى في جبل المناجاة (سفر الخروج ٣٢ : ١ ـ ٢). انظر : تاريخ سيناء ... ، موثق سابقا ، ص ٤٥٦ ؛ وانظر : معجم ديانات ... ، موثق سابقا ، ج ٢ ، ص ٤٦ ـ ٤٧.
وقد حدثنا القرآن الكريم في غير موضع عن اتخاذ بني إسرائيل العجل إلها معبودا في سورة البقرة ، الآيات ٥١ ـ ٦١ ، والآيتان ٩٢ ـ ٩٣ حيث يقول تعالى : (وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (٩٢) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٩٣)). وقد صنع العجل من حلي بني إسرائيل وكان صورة مجسدة لعجل لا روح فيها ، إنما هي جسد فقط ، كانت الريح تدخل فيه ، فيسمع له صوت كخوار البقر ، انظر سورة الأعراف ، الآيات من ١٤٨ ـ ١٥٠ ، وسورة طه ، الآيات من ٧٧ ـ ٩٨ ، وفيها دلالة على أن السامري هو الذي أخرج لهم العجل ، وأن هارون نهاهم عن عبادته ولكنهم لم يستجيبوا له ، وعاتبه موسى عليهالسلام عتابا شديدا فأجاب ، طه ٩٤(قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (٩٤)).