المقدمة
لقد ذهب مؤلف الرحلة إلى الشرق بحثا عن الطمأنينة والنسيان ، بعد أن كره باريس ، وفرنسا ، وأوروبا كلها ، بسبب ظروف خاصة وعامة لا جدوى من ذكرها ، وليس بالإمكان التعرض لها في هذا المكان. وبعد أن أمضى في القاهرة شتاء لا يدانيه شيء في الروعة ، وظلت ذكراه متمكنة في نفسه ، كان يستعد للعودة إلى أوروبا. وكان قد مهر جواز سفره بتأشيرة إلى أثينا ، عندما عرض عليه أحد البريطانيين الذين ربطته به علاقات اجتماعية محدودة ، أن يقوما برحلة يقتسمان تكاليفها إلى جبل سيناء ، مع إمكانية متابعة الرحلة من هناك إلى مدينة جدة في الجزيرة العربية ؛ بهدف زيارة الشريف الأكبر ـ شريف مكة المكرمة الذي كان حينئذ يقيم في الطائف.
لقد طلب المؤلف مهلة أربع وعشرين ساعة للتفكير ، ولكن ميوله إلى الترحال / VI / دفعته إلى اتخاذ قرار عاجل : فلم تمض ساعة حتى كان موافقا على ما عرضه البريطانيّ عليه. وعمدا في الحال إلى إعداد لوازم الرحلة ، وحدد موعد الانطلاق بعد يومين ، ١٦ يناير (كانون الثاني) ١٨٥٤ م ؛ وبذلك وجد المؤلف نفسه منطلقا إلى الجزيرة العربية ، بدلا من الذهاب إلى اليونان.
وهو ينشر هنا قصة تلك الرحلة أملا في أن تجد بعض الاهتمام ، إذا كان هناك عدا المال شيء يهتم به الناس اليوم.