الفصل الرابع
جبل سيناء
لئن كنت حزينا لأنني وجدت طريقا عريضة بين القاهرة والسويس ، لقد كنت أكثر حزنا عندما وجدت طريقا أخرى بين الطور وجبل سيناء. يمكن أن نسوغ وجود الأولى بأنها ضرورية ، ولكن هذه الثانية ، ما الحاجة إليها؟ ليس هناك أي ضرورة لها ، وليس هناك ما يسوغ وجودها. ولكي أوضح سبب وجودها ينبغي أن أعود مرة أخرى إلى عباس باشا.
رأينا فيما سبق أن عباس باشا الذي وجد أن العباسية قريبة جدا من القاهرة ، أمر ببناء قصر دار البيضاء في قلب الصحراء ، ولكنه بعد ذلك وجد أن الدار البيضاء ليست بعيدة عن كل ما يود الهروب منه ؛ فزيّن له خاله أن يأمر ببناء قصر جديد على واحدة من أكثر قمم سلسلة جبال سيناء جدبا ، وأكثرها كآبة ، وأكثرها صعوبة وصول. هنا على الأقل لن يرى قبعات ، ولن يطارده القناصل في ذلك المكان العالي.
ومنذ أن تمّ اختيار موقع البناء ، وقبل أن يبدأ بتأسيسه ، أو إرساء مخطط هذا القصر المعلق بين الأرض والسماء ، كأنّه وكر طير من الكواسر ، أمر عباس مباشرة بشق طريق لكي يذهب / ٤٧ / إليه بالسيارة ؛ لأنه أصيب بسبب فجوره بعاهة منعته من ركوب الخيل والهجن. وما إن صدر الأمر حتى بدأ العمل بالمشروع بإشراف مهندسين فرنسيين يديران لإتمامه جيشا من العمال المهرة. كان ثلث الطريق قد تمّ إنجازه ، عندما مات عباس ، وأظن أن الأعمال قد توقفت بعد موته ، ولم يعد