ولمّا انتهى الطعام ، عدنا إلى المجلس لشرب القهوة والتدخين ، وفي حوالي العاشرة قادونا إلى الحرملك في الطابق الأول حيث أعدت لنا مبالغة بالاهتمام أسرّة أوروبية. وكانت النساء قد غادرن المنزل في الصباح ليخلين لنا المكان ، ومع أنهن غائبات فإن كل شيء في البيت كان يذكّر بهن. كان هذا البيت من أجمل بيوت المدينة ، ويمتلكه تاجر غني من أصل هندي اسمه محمد سيد شمس (١) ، وكانت أعماله في مكة المكرمة ، إلّا أنه كان في تلك الفترة يسكن الطائف ، ووضع بيته تحت تصرف الشريف من أجلنا ، وذهب مع أسرته كلها إلى منزل آخر ، وكان في الأسرة ثلاثة أجيال ابنه عبد الله ، وحفيده عبد القادر الذي يذكّرني ، سنه ، وصورته ، وثيابه ، بفتى آخر يحمل الاسم نفسه ؛ إنه ابن فراج يوسف في جدة ، وقد كان هنديا مثله.
إن اسم عبد القادر الذي اكتسب شهرة واسعة في فرنسا هو اسم ولي من أكبر / ٢٤٠ / أولياء المسلمين ، وهو شائع جدا في الشرق. كانت الأجيال الثلاثة في استقبالنا عند وصولنا. ولكن ابن محمد شمس وحده هو الذي لبى دعوتنا للعشاء ، بينما ذهب الجد بسبب كبر سنه ، والحفيد بسبب صغره إلى النوم في ساعة مبكرة.
__________________
(١) قال الدكتور سليمان بن صالح آل كمال في تعقبه الدكتور آل زلفة ، موثق سابقا : " إن هذا البيت موقعه في محلة واسط (أي وسط القرية) بزقاق الخميس ، مبني من الحجر ويتألف من عدة طوابق. أما بيت شمس الدين فهم من الأسر المكية الثرية في ذلك العهد ، برز منهم بعض العلماء ، وكانوا يمتلكون مكتبة ضخمة. أورد ذلك عنهم الشيخ أبو الخير عبد الله مرداد رحمهالله في كتابه القيم (المختصر من نشر النور والزهر) وينسب إليهم في الطائف مسجد شمس بمحلة السليمانية. وذكر غير ذلك. وانظر : بوركهارت في رحلاته ... ، موثق سابقا ، ص ١١٩ ـ ١٢٠.