الطريق هي طريق جدة إلى مكة المكرمة ، وكانت القوافل كلها تتوقف ، ولو لحظة في حدة ، وقد كان فيها عندما طلع النهار عدد كبير من المسافرين ، وكان بينهم مفرزة من جنود المدفعية الأتراك ، وقد كان السيد دوكيه يعرف قائدهم : قدّمت له قهوة الصباح ، وعلمت منه أنه يتوجه إلى مكة المكرمة ليأخذ أحد المدافع الحربية ويتوجه بها إلى الشريف الأكبر ، وكان هذا الأخير قد طلبه من الباشا لاستخدامه في تأديب إحدى القبائل المتمردة.
ولمّا كان الشريف الأكبر لا يملك لا مدفعية ، ولا فرسانا ، ولا جنودا منظمين فإنه كان مجبرا ، على غير رغبته كما نظن ، أن يطلب ذلك من السلطة العثمانية كلما كان بحاجة إليه لإخضاع القبائل التي يحكمها أو من المفترض أنه يحكمها ، والتي تتمرد عليه. وينتج عن ذلك أنه لا يلجأ إلى القوة إلّا عند الحاجة الشديدة ، وبعد أن يستنفد كل وسائل الصلح.
كنت في أرض أعرفها ، ولم يحدث في اليوم التالي ما يهمني. لقد رأيت من جديد خلال مرورنا خيام الباشي بوزوق ، وقد وجدنا أنفسنا بعد مسافة قصيرة وسط زمرة منهم كانت تعود إلى معسكرها. وكان الشريف حامد لا يود لقاءهم ، ولكن تجنبهم كان مستحيلا / ٢٩٠ / ولم يكن في اللقاء على أية حال ما أزعجنا : فقد كانت علائم الذل تبدو عليهم ، وهم عادة متغطرسون ، وبدوا مؤدبين ولو قليلا. ويبدو أن سبب ذلك ما أخبرونا به من أن سنجقهم (قائدهم) كرد عثمان أغا قد عزل ؛ إذ كانت عداوته للعرب عموما وللشريف الأكبر خصوصا معروفة ، وكان عزله بالنسبة