أعقب ذلك تفاهم تبين منه أنه هو ذلك الرجل الذي كان قد انبرى المستر ريج إلى نجدته في (بريستول).
وقد أقام المستر ريج مدة في إستانبول ومنها انتقل إلى إزمير. وهناك انخرط في مدرسة مع أترابه من الشبان الأتراك لإتقان خصائص اللّغة التركية ودقائقها قراءة وكتابة ، والتعمق في اكتساب مختلف أنواع العلوم الإسلامية. وقام خلال هذه المدة بسفرات مهمة متعددة في آسيا الصغرى ، ثم عين معاونا للكولونيل (ميسيت) القنصل العام البريطاني بمصر ، فسافر إلى الإسكندرية بطريق (قبرص).
واستفاد من إقامته بمصر في إتقان اللّغة العربية ولهجاتها المختلفة ، وفي الوقت نفسه كان يقضي أوقات فراغه بالتمرن على الفروسية واستعمال السيف والرمح ، وهما السلاحان اللذان اشتهر المماليك باستعمالهما. فلا غرابة أن يكتسب شخص مثله جمع إلى صفات الرجولة أخلاقا رقيقة وذكاء متوقدا مع خفة في الروح ، احترام واهتمام الكولونيل (ميسيت) أكثر من كل معارفه الآخرين من الإفرنج ، وأن يشعر جميعهم بالأسف لفراقه عندما انتهت المهمة التي زار من أجلها مصر ، وأزفت ساعة رحيله عنها.
ولقد قرر أن يكون سفره إلى الخليج برّا ، فبارح مصر متنكرا بزي مملوك ، فتجول في معظم أنحاء فلسطين وسوريا. واعتمادا على براعته بلغة الترك وأطوارهم ، خاطر بزيارة دمشق عندما كانت معظم قوافل الحجاج محتشدة فيها بطريقها إلى مكة ، فدخل المسجد الكبير وهذا عمل كان يومئذ يكلفه حياته لو انكشف أمره بأنه مسيحي.
وكان مضيفه ، وهو تركي مستقيم ، قد سحرته شخصيته وبذل قصاراه لإقناعه على البقاء بدمشق عارضا عليه مصالحه والزواج من ابنته. ومن حلب قصد البصرة عن طريق ماردين وبغداد ، ومنها أقلع إلى بومباي فبلغها في أوائل أيلول سنة ١٨٠٧.