تزيد فعلا عن مقتضيات رفاهيتنا ، وإننا نحتفظ ببعضها لأننا لا نستطيع التخلي عنها دون وقوعها تحت سيطرة الآخرين فيستغلونها لما فيه ضررنا». وعلى ذلك قال لي : «إذا كان الأمر على ما تقول ، فكيف إذن تتوسعون في فتوحاتكم سنة بعد أخرى في هندوستان؟» ثم أردف قائلا : «وأرجو أن لا تأخذ سؤالي هذا مأخذ سوء». فأجبته : «إن فتوحاتنا في الهند إنما ترجع إلى ذات المبدأ الذي ذكرته الآن ، وإننا لم نكن أول الأوروبيين الذين فتحوا بعض أصقاع الهند ، فبعض هذه الأصقاع التي نحتلها الآن انتزعناها من هؤلاء الأوروبيين نتيجة لتغلبنا عليهم في حروبنا معهم في أوروبا ، والبعض الآخر سلم إلينا من قبلهم ، كما اشترينا بعض الأقسام ، وظفرنا بأقسام أخرى بمعاهدات عقدناها مع أهل البلاد لقاء خدماتنا لهم أو لمنافع وفوائد أخرى. وهكذا تكونت إمبراطورية عظمى من نواة صغيرة ، إمبراطورية تتاخم أقاليم الكثير من الأمراء الأقوياء ، ولقد استفاد البعض من هؤلاء منا وكانوا أصدقاء لنا ، أما البعض الآخر فيغار من قوتنا ويحسدنا على نعمنا وهم لم يكونوا على ثقافة تؤهلهم على نوالها. وإذا تجاور الناس لا بد من تصادم المنافع بينهم في الغالب ، ولا بد من تعرضهم إلى أسباب النزاع ، ومع أن الإنكليز مسالمون بالطبع حيال من هم على غرارهم فإنهم ليسوا شعبا يخنع لإرادة الغير. إن ضرورة الدفاع عن حقوقنا ، وصيانة شرفنا كثيرا ما أدت بنا إلى الحروب ، وكان الله ، وله الحمد ، في عوننا في الغالب ، ولم نكن في أي من هذه الفتوحات البادين في العدوان البتة».
لقد بان لي بأنه قد تأثر تأثرا عميقا بوجهة النظر هذه ، واعترف لي بأنه كان يظن فيما مضى بأن الإنكليز كانوا قد أرسلوا على غرة جيشا كبيرا لفتح الهند ، وقاموا بفتوحاتهم كلما تولدت الرغبة في نفوسهم دون سبب أو حجة. ثم استفسر عن المناطيد قائلا : إن قد نمي إليه أنها وسائل في وسعها نقل مفارز الجنود إلى أي محل مقصود. ثم انتقلنا بالحديث