الليلة قصة ، لا تبجحا منه ، بل ذاكرا واقعة حدثت له تبين فوائد الإيمان بالله وتمثله أصدق تمثيل. وإني سأسعى لرواية القصة كما رواها لي قدر المستطاع ؛ ولو ذكرتها بغير تعابيره البسيطة الدينية لفقدت الكثير من قيمتها. قال لي : «حين كنت رهينة في كرمنشاه عن ولاء والدي المرحوم ، اضطر والدي إلى تأييد المصالح التركية بحكم الظروف ، وهكذا أصبحت حياتي مهددة ، فأرسل الشهزادة بطلبي ليقتلني وكان الوقت ليلا ، فاقتدت إليه مكتوفا ، وكان الأمير جالسا في بهوه الذي تضيئه شموع وضعت في وسطه وكان الجلاد واقفا متأهبا لإنجاز واجبه. وأقول في هذا الصدد إن الكثير من الرجال الذين يجابهون الموت في ساحة الشرف ، قد يتملكهم الهلع إذا ما أخذوا إلى الجلاد مكتفين. لقد كان مشهدا مرعبا : «لا أراكه الله» وإنني أعترف بأن قواي قد خارت وخانني جلدي حينذاك. ولكنني وأنا في كربتي تلك حثّني وعي للاستنجاد باسم المولى جل شأنه ، فشعرت من فوري بالطمأنينة تغمر نفسي وكأن الكلمات التالية قد رن صداها في خلدي : «ألم أكن أنا الذي أخرجتك من بطن أمك ، ووقيتك من الأخطار حتى الساعة؟ ألست بالقادر على القضاء عليك في أية لحظة أشاء؟ إذن لم هذا الخوف؟ أيسع الرجل أن يسيء إليك إلا بإرادتي؟» وفي تلك اللحظة شعرت بالراحة ، وطرح الفؤاد عنه الوجل فوقفت أمام الأمير دون خوف أو هلع. وإني لأبتهل إلى الله الذي جعل الأمير المصر على قتلي عندما طلبني يعدل عن رأيه ويأمر بإرجاعي إلى السجن دون أن أصاب بسوء ...».
وبينما كنت جالسا في الليلة الماضية بين جماعة كبيرة في دار عمر الخازندار ، وقد مر المساء بهدوء ودفء ، وانهمك الجمع كله في الحديث ، هبت في اللحظة التي طلع فيها القمر في حوالي الساعة العاشرة ريح شديدة الحرارة من الشمال الشرقي ، فوجمت الجماعة من فورها كأنها شعرت بهزة أرضية على حين غرة ثم قال الكل بنبرة كئيبة