«لقد هب الشرقي ..» (١). حقّا لقد كانت تلك الريح ، هي الريح الشرقية المرعبة ، ولقد استمر هبوبها منذ تلك اللحظة بسرعة شديدة من الشرق والشمال الشرقي ، وكانت حارة حرارة سموم بغداد. إلا أنني أعتقد أنها أخف وطأة ، وأبعث إلى الكسل. وهذه الريح بلية هذه البقاع ، ولولاها لكان مناخ السليمانية مناخا لطيفا جدّا.
تقع مدينة السليمانية في منخفض يبعد مسافة ميلين تقريبا عن حضيض سلسلة التلال الشرقية التي تنحدر سفوحها الركمة نحو المدينة التي شيدت في سفح منها يكاد أن يكون وهدا. أما التلال المجاورة فجرداء شديدة الميل قد يبلغ ارتفاعها الثلاثمائة ياردة تقريبا ، وهي بمثابة مرايا عاكسة لأشعة الشمس التي تسطو عليها طيلة أيام الصيف من السابعة صباحا حتى الغروب ، وتنقل الريح التي تهب على سفوح تلك التلال حرارة تلك السفوح معها إلى المدينة عند هبوبها من الشرق والشمال الشرقي. وعند شرق المدينة تنعطف هذه التلال قليلا إلى الوراء فلا تجعل الريح الجنوبية الشرقية رديئة كالريح الشمالية الشرقية ، وهي شر البلايا. وتتميز الريح الشرقية هذه بكونها ساخنة تبعث الفتور على حد سواء في البقعة طوار خط التلال هذا. ولكن تأثيرها لا يصل غربا إلى أبعد من نهر (تانجرو). وإذا ما عبرت مرتفعات التلال انقطع عنك تأثيرها كليّا. وتسود هذه الظاهرة الطبيعية (كوى سنجاق) أيضا التي تقع في واد ضيق يضاهي وهد السليمانية مظهرا ، إلا أن التلال فيها أكثر ارتفاعا ، وريحها الشرقية أقوى وأكثر حرارة ، ويندر أن تهب هنا هبوبا شماليّا. أما الجهات الغربية فمناخها كلها ملائم. ويجب عليّ الآن أن أذكر حقيقة غريبة في بابها لم يهدأ لي بال حتى تأكدي منها باستقصاء طال أمده : يسود الهدوء الجو (٢)
__________________
(١) عند ما هبت الريح ارتفعت درجة الحرارة ١٠ درجات أي من ٨٠ د إلى ٩٠ د.
(٢) يقصد جو السليمانية ـ المترجم.