عبد الرحمن باشا تواقا إلى نقل عاصمته إلى هذا الجبل لانعزاله ، ولسهولة الدفاع عنه ، ولأن الوصول إلى قمته لا يتيسر إلا بطريق واحد ؛ على أن شحة المياه في الجبل كانت العائق في تنفيذ رغبته.
وفي الرابعة والنصف مررنا بهضبة تقع عن يسارها وهدة صغيرة ، وأخرى عن اليمين واسعة عميقة تضم عدة قرى وهي تكاد تمتد إلى الشرق والغرب ، أما منتهاها الشرقي فتسده رقبة ، تفصل بينها وبين وهدة أخرى مماثلة لها ، وأما الجانبان الجنوبيان من هاتين الوهدتين فيرتفعان فورا ويكوّنان جبلا شاهقا. وكان طريقنا يتصاعد تصاعدا تدريجيّا ، والأرض مكسوة كلها بعليقات البلوط. وفي الخامسة بلغنا تلالا في فجوة تماثل تلك الرقبة أو الطرف الشرقي من الوهدة الواقعة عن يميننا ، ومن هنا يقع (غودرون) باتجاه ٦٠ درجة شمالية غربية. ومن هذا المكان يمكن لي أن أكون فكرة لا بأس بها عن الخطوط الأساسية لهذه المنطقة. ينتهي كل من (كويزه) أو (أزمر) في الشمال ، ويبدأ (غودرون) قبل نهاية (أزمر) أو إلى الجنوب منه ، ويقع وادي (ميركه بان) أو وهدته بين هذين الجبلين ، ثم يؤلف (غودرون) سلسلة أعظم من سلسلة (أزمر) وأكثر منها صخرية ، تتجه باتجاه شمالي شرقي. والآن بدأنا نهبط بطريق منحدر جدّا وأخذنا نسير في التواءات عديدة في مضيق في الجبال ، وهي هدودة الانحدار من الجانبين ، إلا أن الجانب الأيمن منها كان أكثر نهودا في انحداره ، وكان الطريق يصعد ويهبط باستمرار تتقاطعه الوديان في بعض الأماكن. أما سفوح التلال فكانت مكسوة بالكروم ، بعضها في أماكن عالية جدّا تكاد تظهر شاقولية ، ولا ريب أن زرعها لا يتيسر إلا لأناس يتعلقون بحبال كجامعي الشمر ـ الأعشاب البحرية.
__________________
الطنف ، بل في نجده ، يجد آثار أبنية كانت مصايف البابانيين ، وبعض الصناكر الحديثة ونجده غني بأشجار برية مثمرة كالكمثرى ـ المترجم.