١٨ تموز :
كانت ليلتنا باردة منعشة ، ولكننا لم ننعم بها إلا قليلا. فما إن انتصف الليل حتى ارتفعت أصوات مزعجة شتى من جماعتنا الذين بدأوا بالتحميل ، أصوات فاق هرجها ومرجها اضطراب بابل ، وجعلت الإخلاد إلى الراحة ثانية مستحيلا. لا يمكن في هذه البلاد إنجاز عمل ما دون ضوضاء وصراخ لا يتناسبان مطلقا مع العمل المراد إنجازه. ويظهر أنه حتى الحيوانات نفسها تتهيج فتساهم في الضوضاء بنهيقها وزعيقها وشخيرها وترافسها في الوقت الذي يتشاتم فيه أصحابها ويتنادون ويتصارخون إلى أن تتم عملية التحميل وتأخذ القافلة مجراها.
رجع عمر آغا إلى السليمانية البارحة لقضاء بعض أشغاله الخاصة وسوف لا يلتحق بنا حتى وصولنا الليلة منزلنا.
شرعنا بالمسير في الرابعة فعادونا صعود المنحدر الذي انحدرنا منه إلى الوهدة ، ثم عرجنا شرقا نحو التلال ، أو بالأحرى نحو الجبال ، إذ بدا أنها الآن تستحق هذه التسمية حقّا ، وتمتد هذه الجبال من (كويزه) أو سلسلة (أزمر) على قوس مارة من أمامنا متقطعة بعض التقطع لتعود فتكون السلسلة ذاتها عن يسارنا ، ويظهر أنها في اتجاهها الجديد هذا تتضاءل جرما. وعن يسارنا مباشرة ، وعلى مسافة ثلاثة أو أربعة أميال ، يقوم جبل (سه رسير) (١) وهو جزء منفصل من التلال التي أتينا على ذكرها ، وكان
__________________
(١) وأصلها (ساردسير) أي المصيف ـ ويقابلها (كه رمه سير) أي المشتى ـ ورخمت فأصبحت (سه رسير). تقع قصبة (جوارتا) مركز قضاء (شاربازير) الحالي ، عند سفح جبل (سه رسير) الغربي. ويمكن الصعود إليه بثلاثة طرق في يومنا هذا ، أسهلها وأطولها الشرقي منها وهو يلتف حوله متصاعدا من الغرب إلى الشمال إلى الشرق إلى الجنوب ويمر من بين أشجار البلوط ، وبعض الكروم. أما الغربي فهدود يمر من واد ثم على كتف شعيب ، وتكثر فيه عيون المياه. وأما الجنوبي فصعب الارتقاء لا يطرق إلا عند الضرورة ، ولا يتعقبه إلا الرعاة أحيانا. والمتجول في منبسط أعلى ـ ـ الطنف ، بل في نجده ، يجد آثار أبنية كانت مصايف البابانيين ، وبعض الصناكر الحديثة ونجده غني بأشجار برية مثمرة كالكمثرى ـ المترجم.