لكن هذه الآفة كانت قد أنشبت أظفارها فيه أيضا. وظهرت عليه أعراض الهيضة عند خروجه من الحمام في ٤ تشرين الأول ، وعلى الرغم من العناية والإسعافات التي أجريت له قضى نحبه في صبيحة اليوم التالي ٥ تشرين الأول ودفن في (جهان نما) في إحدى الحدائق الملكية التي كان يقيم بها في تلك الأيام ، وحيث نصب له تمثال تخليدا لذكراه.
هذه هي خلاصة نشاط هذا الرجل الفذ ، ناهيك عن نبوغه ومزاياه وتحصيله ، ففي العبارات القصيرة البليغة التي أجملت فيها شخصيتان مثل (روبرت هول) و (السير جيمس ماكنتوش) سيرة هذا الرجل ما يغني عن تكرار سردها بأقلام من هم دونهما مقدرة ، إذ قلّما تعرّف إليه أحد إلا وأصبح مأخوذا بأخلاقه مسرورا بمزاياه عدا تقديره لمؤهلاته الواسعة الفريدة. فقد كانت السرعة التي تعلم بها اللغات والفنون ترجع إلى غريزة كامنة فيه أكثر من المجهود الذي بذله. ففي الحقبة الأخيرة من حياته باشر مسح البلاد العربية التابعة للدولة التركية بنفس السهولة التي حصل بها على معلوماته الرياضية العالية التي كانت تفتقر إليها مهمته.
وكان العرب والأتراك معا يقدّرون فيه علمه الواسع في آدابهم. أما بين جماعة أصحابه فكان دائما قطب الدائرة المحبب ، إذ كان على استعداد للانخراط في كل ملاهيهم بدون كلفة ، تعجبه الروح المرحة والفكاهة ، فكان بمثابة الروح في الولائم ، ويظهر أكثر الحاضرين سعادة وهو أصغرهم سنّا.
كان ملتهب العاطفة ، نشطها. وكان بين الأصحاب الخل الوفي الصميم. كان شديد الحب لزوجته ، وكان الشعور الديني فيه عميقا. وكانت شخصيته القوية تمكّنه من قيادة مرؤوسيه والسيطرة عليهم. وقلّما بلغت الأخلاق البريطانية الشهرة التي بلغتها في بلاد العرب التركية في الأيام التي تقلد فيها منصبه ببغداد.
ولقد كانت مذكراته عن بابل الأثر الوحيد الذي نشره في حياته ،