معطفا إستانبوليّا فاخرا بأزرار ذهبية ، أسبغ جمالا على مظهره. وكان ابنه الأكبر وهو شاب وسيم جدّا يرتدي لباسا مماثلا للباس أبيه فوق رداء فاخر من حرير أوروبي مشجر ، أما ابنه الأصغر وهو فتى أبيض الشعر فكان يرتدي القطيفة السوداء المطرزة بالفضة. وكانت بصحبة البك ثلة كبيرة من فرسان الجاف بمظهرهم الجميل. فبدؤوا بمباراة جريد استمرت طيلة الطريق حتى المضرب ، أظهر الشبان فيها مهارتهم. وكانت خيام البك من النسيج الأسود المعتاد (١) وهي واسعة عالية تحيط بها السياجات أو الحصران. وقد أعدوا لي خيمة ديوان من الجنفاص لأستقبل فيها زواري ، وسيباط مريح يعود إلى حرم البك ، تخلّوا عنه لسكناي وسكنى قرينتي التي كن نسوة البك ينتظرنها في السيباط لاستقبالها. وكان الاستقبال في غاية اللطف وحسن الضيافة.
وعليّ الآن أن أنهي مذكرات يومي هذا طاويا الكثير منها في الذاكرة ؛ فبعيني الملتهبتين وصدغي النابضين بالألم أصبحت غير قادر على الكتابة.
تقع على تل في جنوبنا (٢) قلعة (مه ريوان) وهي خربة الآن (٣) وإنني
__________________
(١) وهو نسيج من شعر الماعز ، يتخذ منه الرحل من العشائر خياما ، يطلق عليها «بيوت الشعر» ، ويتقن صناعته أغلب أفرادهم في الشمال والجنوب. وكثرة استعماله وفر له أناسا اختصوا بصناعته وعرضه في الأسواق. وينتشر هؤلاء الصناع اليدويون في المراكز القريبة من المواطن العشائرية ، كالموصل والسليمانية وبغداد والدليم وكربلاء والديوانية. وفي صوب الكرخ من بغداد في يومنا مصنعان يدويان لهذا النسيج يعتبران المنتجان الرئيسيان له وهما قرب (حمام أيوب) بجانب شارع السويدي أما سوقه ففي (المجصة) من الكرخ ـ المترجم.
(٢) يقع جبل (سورانه) باتجاه شمالي ، و (آردبابا) ـ القمة المسننة منه ـ فوق (بانه) باتجاه شمالي ب (١٠) درجات غربا.
(٣) (مه ريوان) اسم المنطقة التي نحل فيها الآن ، وهي تابعة إلى (سنه).