الأخريات ، ويستبان أن لهن سلطة عظيمة في إدارة الجماعات. أما الرجال فكانوا متئدين في سيرهم وقد وضعوا (المقمعات) الدبابيس الكبيرة في أحزمتهم ، والسيوف على جوانبهم والتروس فوق مناكبهم ، وبعضهم يسوق قطعان الغنم والماعز والخيل ؛ وطبقة الوجوه منهم يمتطون الجياد. وكان أمر الاعتناء بالأولاد والأثقال منوطا بالنساء. والجاف أناس ذوو ملامح شديدة ، صعبوا المراس.
لقد كان الطريق جيدا جدّا ، والخانق الذي نرتقيه ضيقا بالغ الضيق. وفي الثامنة إلا عشر دقائق وجدنا أنفسنا أمام مرتقى هدود في اتجاهنا ذاته ، ولم يكن المسلك كثير المنعطفات. لقد استغرق صعودنا ونحن نسير سيرا بطيئا مدة خمس وأربعين دقيقة ، أما الجبال فكانت من الجبس والأردواز ، وفي الثامنة والنصف وصلنا أعلى الرقبة من الخانق فشاهدنا على الجانبين قمما جرداء أعلى ، ثم بدأنا بالنزول توّا على نيسم شديد الانحدار ، وقد قلّت الأشجار ، وصرنا لا نرى منها إلا أشجار البلوط القزمة. وكانت الجبال في كل الجهات ، على مدى البصر عارية جرداء ، وكأن الإنسان في وسطها وسط بحر من التلال الربداء ؛ لقد أصبح المنظر حزينا كئيبا ، بعد ما كان بهيجا مفرحا. وفي التاسعة وخمس دقائق أدركنا أسفل المضيق ، فجلسنا للفطور ، الذي وجدناه معدا لنا تحت بضع أشجار من الصفصاف عند ساقية صغيرة.
يطلق على هذا المضيق في (زغروس) اسم (كه رران) ، وهو اسم أحد الشيوخ أو الأولياء كما قيل لي ، ومن المؤكد أن هذا الاسم لم يكن من الأسماء الإسلامية. ويعتبر مضيق (آردبابا) المؤدي إلى (بانه) أسهل ممرّا ، ولم يكن هذا المدخل إلى إيران مدخلا مبهجا قط ، إذ كانت تبدو لنا الأشياء وكأنها عارية لفحتها النار. ويقال إنه لا توجد أشجار شرقا ، حتى حدود الهند.
وفي الثانية والنصف استأنفنا مسيرنا من هنا وكان طريقنا يتعرج