الرفوف بعض القناني والزجاجات الأمر الذي دلنا دلالة واضحة على أن الخان لم يكن من المسلمين الشديدي التمسك بدينهم ، وأن مخدعه هذا إنما خصص لملذاته السرّية.
وبالنظر إلى ما لاحظته بين أتباع الوالي في سنه من دلائل ميل الإيرانيين إلى الجشع ، فقد رأيت من الأفضل أن لا أذهب إلى مضربه كما سبق ووعدت. وعليه أخبرت مضيفي مساء اليوم بعزمي على العودة إلى السليمانية بالطريق المؤدية إليها مباشرة. فأثار هذا كما كنت أتوقع معارضتهم الشديدة التي لم تجد نفعا ، ورأيتهم يتبادلون النظرات الحيرى وبعد أن حاولوا عبثا تغير عزمي ذهبوا جميعا إلى غرفة عمر آغا وعقدوا مجلسا ، فأرسلوا إلي عدة رسل يتوسلون في أن أذهب إلى الوالي ، غير أنني بقيت متمسكا بقراري. وقد بدأت أخشى أن تكون عناية الخان بي مما قد تتطلب مني أن أقابله بما لا قبل لي عليه ، وهذا مما دعاني إلى التصلب برأيي. لقد جاءني عمر آغا عدة مرات ثم السيد (١) وبعده أوفانس وهما من السكرتيرين الأهليين في دار المقيمية ليغيروا رأيي ولكن دون جدوى. وأخيرا جاء أعضاء المجلس كافة إلى باب غرفتي ليتوسلوا إلي بل يستعطفوني أن أستجيب إلى طلبهم وقالوا بأني لا أعرف عن حقد الخان إلا القليل ، وإنه لا عذر هناك وإن قلته له بنفسي يحول دون اعتقاده بأنهم قاموا نحوي بما سبب امتعاضي وجعلني أغير خطتي بهذه الصورة المفاجئة. ثم حدثوني كيف أن الخان استأصل عائلة رشيد بك لأمر أقل أهمية من ذلك ، وأنني إذا أصررت على الرفض فلا بد من فرار كل من عناية الله بك وميرزا فرج الله إلى السليمانية فيبلغانها بأسرع من وصولي إليها إذ إن مقابلتهما للخان بدوني ستكون من الأمور المستحيلة عليهما.
__________________
(١) راجع (رحلة المنشي البغدادي) لمترجمها من الفارسية الأستاذ عباس العزاوي ، ـ شركة التجارة والطباعة المحدودة ، بغداد ١٩٤٨ ـ المترجم.