وقد خيل لي أن ما وصفوه لي من الخطر الذي سيتعرضون له ما هو إلا مصطنع لذلك أحجمت عن تغيير رأيي غير أنني بعد ذلك بدأت أتساهل فأرسلت من يعرض عليهم حلا وسطا وذلك بأن أوفد سكرتيري الإيراني إلى مضرب الخان ليعتذر بالنيابة عني عن عدم استطاعتي زيارته شخصيّا وليعرب عن ارتياحي من سلوك أتباعه نحوي ؛ فأخبرت بأنهم أخذوا يذرفون الدموع وأن اقتراحي الجديد لم يبعث فيهم إلا سرورا ضئيلا.
وقد علمت بعدئذ بأنهم استخاروا بديوان حافظ (١) فشجعتهم الاستخارة على إعادة الكرّة علي في الوقت الذي بدأت فيه بالتفكير في أن اهتمامهم في الأمر لا يمكن أن يستند مطلقا على التصنع ، وتذكرت بعض القصص التي سمعتها عن حقد الوالي وقسوته ، وعلى الأخص في حادث محمد رشيد بك وبدأت في الحقيقة أخشى أن يصيب هؤلاء المساكين كارثة من أجلي فقررت النزول عند رغبتهم مجازفا بما قد يصيبني من المتاعب. ولما أعادوا الكرة وأتوا باب الغرفة يتضرعون إليّ لإسداء آخر معروف لهم بتأجيلي سفري يوما آخر لتتاح لهم فرصة إخبار سيدهم بعزمي على تغيير خطتي الأولى وجدوني مستعدّا لمنحهم أكثر مما كانوا يتوقعون إذ أجبتهم بأنني سأذهب إلى الخان إرضاء لهم ، وقد دلني الفرح الذي بدا عليهم في هذه اللحظة الانقلابية دلالة جلية على أن مخاوفهم لم تكن مصطنعة أبدا ؛ إننا مضينا في المداولة حتى الساعة الحادية عشرة ، وقد اعتراني صداع شديد جعل علي الراحة مستحيلة هذه الليلة.
__________________
(١) يعتقد عامة الناس ، بل والكثير من الأدباء المتفلسفين حتى في يومنا هذا بأن في حكم أشعار حافظ إرشادات ملهمة ، على المستخير بها اتباعها أو الاسترشاد بها. وقد تكون هذه حافزا للإنسان للتشبع بحكمه التي لا تخلو منها صفحة من صفحات ديوانه بل قطعة من قطع شعره ، ولكنها شوهت فألبست لباسا إلهاميّا في التطير ، أو في الاستخارة ، أو في التفاؤل ـ المترجم.