الضواحي الواسعة. وفي السادسة إلا ربعا صباحا تركنا المدينة نهائيّا. لقد أخبرني الآن عبد الله بك بالأسباب الحقيقية لجزعهم في الليلة الماضية ، وقال إنك لا تستطيع أن تتصور نزوات الوالي في شكوكه وحقده إلا قليلا ، فإنه لو سمع بأنك قد عدلت عن زيارته لكان تعليله لذلك على الوجه التالي :
«هذا رجل دعوته أنا مثلما دعاه جيراني مرارا دون جدوى ، ومع هذا فقد تنكب طريقه قاصدا زيارتي بمحض رغبته. ولا شك أن هذه الزيارة لو تمت لكانت حديث الأوساط ولزادتني شرفا وربما كانت لديه بعض الشؤون أو الأمور التي كان يرغب الإدلاء بها إليّ. ورجالي في (سنه) يعرفون ذلك فتعمدوا إزعاجه وحمله على العودة دون أن يراني ، فهم لا يطلبون الخير لي ، وربما كانوا متآمرين علي» ثم أردف الرجل الشاب قائلا : «ولك أن تتصور الآن بأن هذه السلسلة من الأفكار لا بد وأنها كانت تعود علينا بالنتائج الوخيمة».
أخبرني عبد الله بك بأن شتاء (سنه) أقسى من شتاء السليمانية ، وصيفها أكثر برودة ، وحالما تركنا المدينة بدأت الطريق تتدرج بنا صعودا طيلة السفرة وكانت الأرض مكشوفة والزراعة فيها على نطاق معتدل ، وكانت قمم التلال مهشمة مشققة وبلغ التشقق ببعضها بحيث ظهرت وكأنها خرائب ، فكنا نشاهد الصفائح الأردوازية والجبس على جوانب هذه التلال ، وكان الكثير من هذه التشققات يبدو وكأنه مطعم بوفرة بالحديد. وكان لون بعضها ضاربا إلى الخضرة ، تخالطها ذرات الطلق.
سرنا مدة في مسيل ، وفي الثامنة تقريبا شاهدنا عن يسارنا قرية (صاري قاميش) الكبيرة وكرومها ، ومن ثم بدأنا نرتقي هضاب (الله خدا) فبلغنا في العاشرة إلا ربعا القمة ونحن نرتقي ارتقاء هينا. ويتصل هذا الجبل بسلسلة (بازرخاني) ويمتد مبتعدا عن (زغروس) الشامخ برأسه على جميع السلاسل المتوازية من الجبال الكائنة على يسارنا. وكانت