اليوم حارّا مزعجا ، ولم تكافأ العين بأي منظر لطيف أو مشهد جذاب.
ومن فوق الجبل شاهدنا جبل (كه للي خان) وجبل (زاغروس) أو بالأحرى قسما منه ، ووصلنا أسفله في السابعة والدقيقة الخامسة والثلاثين وبعد قليل بلغنا قرية حقيرة صغيرة اسمها (حاجي محمد) وبعد أن ارتقينا قليلا هبطنا توّا إلى قرية (سووتا) في منحدر ناهد مخيف تقع على يساره هوة. وقفنا عند هذه القرية في الثامنة والنصف وأنعشنا نفوسنا بكوب من القهوة. لقد خلنا أن مصاعبنا قد انتهت إلا أننا وجدنا بعد ذلك أن أشدها لا يزال أمامنا. وقد استأنفنا المسير في التاسعة والربع وبعد مدة وجيزة انحدرنا مجتازين الجدول الصغير الجاري في منخفض الوادي ، ثم وصلنا قرية (سه وي تاله) الصغيرة ومعناها التفاحة المرة ، فوقفنا فيها أيضا للاستراحة ثانية ، فمد أمامنا رجل من رجال الدين ـ وهو على ما يظهر صاحب القرية ـ سماطا غنيّا بالعسل والزبدة الطرية (١) واللبن الرائب والخيار والشنين.
وقد التهم كل من عمر آغا والبك من هذه الطيبات الريفية بشراهة ، إلا أن الحمى الشديدة منعتني من أن أتناول من بينها سوى ملعقة أو ملعقتين من اللبن الرائب.
وفي الحادية عشرة والنصف عاودنا مسيرنا في نفس ذلك الطريق المرعب ونحن نشاهد أشجار الصفصاف تزين ضفتي (خور خوره) وهو يجري في قرارة الوادي وقد جئنا الآن إلى مخارف (٢) لطيفة بين أشجار الدردار والحور والكظيظ من عليقات الزهر البري.
__________________
(١) يأكل أهل هذه الأقطار من الشرق العسل والزبدة سوية وقد تكون هذه عادة شائعة في الأقسام الأخرى منه بدلالة ما جاء في التوراة «زبدا وعسلا يأكل متى عرف أن يرفض الشر ويختار الخير» (سفر أشعيا ، الإصحاح ٧ ـ ١٥).
(٢) المخرفة بالفتح ، الطريق بين صفين من الأشجار ـ المترجم.