وفي الواحدة والنصف أنهكني التعب فاضطررت معه إلى الاضطجاع تحت ظلال الصفصاف عند جدول تسبح فيه الأسماك الكثيرة الأليفة. ولم يكن الأهلون في هذه الأنحاء شغوفين بأكل السمك وفي الثانية عدنا وامتطينا جيادنا ، وبالأحرى إننا سرنا إذ إنني لم أمتط جوادي طيلة الطريق وعلى طواره الهاويات التي لم أقدر على السير معها لما أنا عليه من ضعف وصداع ، وفي الثالثة إلا ثلثا وصلنا قرية (ميك ـ Meek) وأنا منهوك القوى. وهنا لاقيت علاوة على ما أنا فيه ، خيبة أقلقت مني النفس. إذ علمت بأن قرينتي ومعها الأمتعة قد أخذت إلى قرية (بايه نده ره) في أعلى الوادي ، عوضا من الانعطاف إلى اليمين والوقوف في (ميك). وبعد أن تأكدت من المكان الذي أخذت إليه أيقنت بأنني لا أطيق الحركة للحاق بها ، ولا بمقدورها العودة للحاق بي بعد سفرة كسفرتنا هذا اليوم ، وأن انتظاري الطويل على أمل وصولها إلينا وقت العشاء قد سدت شهيتي للطعام فساورتني نوبة خفيفة من الحمى. فبلل العرق كل ملابسي ولم يكن معي ما استبدل به لباسي الداخلي ، وقد أظهر عمر آغا نحوي في هذه الحالة الحرجة منتهى اللطف ، واعتنى بي الحاج قاسم (١) عناية فائقة وسهر عند فراشي طيلة الليلة. هذه هي المرة الأولى في هذه السنين العديدة يقدم لي خادم أو أجنبي هذه الخدمة ، ولم أتمكن من التصور إلا وإنني غير مرتاح.
تقع قرية (ميك) في منطقة (ساقز) التي تبدأ عند الجدول الصغير وقبل وصولنا إلى (سه وي تاله) بقليل. إن لعسل هذه النواحي من البلاد شهرة واسعة لكثرة النباتات العطرة التي تنمو فيها. وعلى الرغم مما أنا فيه من التعب ، ذهبت لمشاهدة خلية نحل في بستان قريب ، زرع زرعا منسقا بالورود والأعشاب العطرية ، وفيه كوخ من الأغصان المجدولة
__________________
(١) خادم من خدم المستر ريج.