جمع من الجشعين الذين ضايقوني ولم يقنعوا بما نالوا ، وإقناعهم مستحيل ، ركبت متجها إلى المدينة لتوديع الخان. فوجدته منشغلا جدّا بإملاء كتاب على أحد الميرزاوات ـ الكتاب ـ وقد جثا أمام الخان يكتب ما يمليه عليه بالحرف الواحد. وإني على ثقة بأن الميرزا لو ترك وشأنه لكتب ما أملاه عليه الخان بأسلوب آخر (١).
استقبلني الخان بلطف وأدب على طريقته الغريبة. وكان أمامه ناظور مسرح صغير ، وقال لي إنه هدية من رئيس وزراء الشاه له ، وطلب مني أن أنظر فيه وسألني عن ثمنه. وقد استغرب لم لا يجسم هذا الناظور الأشباح بقدر ما يجسمها ناظور أكبر ، ثم قال ما داموا قد بذلوا هذا الجهد في صنعه فقد كان الأجدر بهم أن يجعلوه بقوة المرقب في التجسيم. ودخل سلطان (بانه) نور الله سلطان وجلس عن بعد ، فقدمه الخان إلي بقوله : ـ ياخشى أوغلان ، أي إنه ولد طيب ـ وكان لهذا الولد الطيب لحية كثة سوداء طولها قدم تقريبا ، وكان خوفه من مادحه ظاهرا عليه جليّا ـ «وإنه أهدى إليه ، أي إلى الخان قرية ـ وهي القرية التي اغتصبها الوالي أخيرا ـ وإنه يريد أن يقيم فيها جنينة تفوق جنينة (خسرو آباد) ، ويدعو الناس لمشاهدتها من الموصل ، وحلب ؛ والقاهرة». وقدمت الآن أطباق الحلوى ، وسألني الوالي عن الهدية التي أرغب في أن يرسلها لي ، فأجبته أن الكتاب الذي وعدني به ، سيكون عندي أثمن الهدايا كلها. فأكد لي بأنني سأحصل عليه ، وقال إنه لم يكذب مطلقا وعليه فهو يعترف بأن لديه نسختين منه ، ولكنه يرغب في مقارنتهما ، وأنه سيرسل لي بكل تأكيد نسخة منهما مع رسول سريع من (سنه) على أن أعطيه لقاء ذلك بضع علب من البارود ، وكرر السؤال عن الهدية التي
__________________
(١) يختلف أسلوب الكتابة في الشرق اختلافا كليّا عن أسلوب الكلام. ويبدو أن ما يعنيه المستر ريج هنا هو لو أن الخان سرد خلاصة الموضوع الذي يريد كتابته إلى ميرزاه لعبر هذا عنه بأسلوب يختلف عن أسلوب الخان ـ الناشرة.