من الحال أو ترجيح خدمة أخرى على خدمته. إن أكثر رجال عمر آغا بالإضافة إلى أنهم قبليين ، فإنهم سليلو أناس كانوا في خدمة والده ، فوالده الفقيه قادر وسكرتيره وزوجته وأخواته وإخوانه الصغار كلهم يعيشون في حرم عمر بك ، ويعتبرون جزءا من العائلة ذاتها ، ويشاركه رجاله كلهم السراء والضراء ، ويفعلون ما يفعل ويجوعون أو يلبسون الأسمال البالية عندما يجور عليه الزمن ، ويكسبون المال عندما يعود إلى منصبه ، كل ذلك دون تضجر ، أو تأفف ، بل إنهم يتلقون كل هذه كأمور اعتيادية لا مفر منها. وعمر آغا نفسه لا يعدو عن كونه مثلا لهذه الأخلاق وهذا الوداد. فالباشا وإن كان في الحقيقة يوده ودّا أكيدا إلّا أنه غلب على أمره بتحريض من عثمان بك الذي يكره عمر آغا فعامله معاملة قاسية جدّا. ولاقتناع عمر آغا بأن الباشا يوده وللاحترام العظيم الذي يكنه لعبد الرحمن والد الباشا فإنه لم يفكر مطلقا في التخلي عنه ، كما لم يبد تذمره منه إلا عند التحدث إلى من يعتمد عليه من الأصدقاء. وفي هذه الحالة لم يكن كلامه لينم عن تذمر أو تبرم بل إنه صوت توجع أليم ليس إلا. وعندما رثيت لضعف الباشا ، أجابني عمر آغا من فوره وبصدق واضح قائلا : «أؤكد لك يا سيدي بأنه ليس كذلك إنما هذا شأنه إزائي فقط» وما كان قوله هذا تصنعا بل كان منبعثا من الصميم ، وقد قاله حذرا من أن أجور فأظن في سيده. لقد انحط مستوى عمر آغا المالي لدرجة الفقر المدقع لسوء المعاملة التي يلقاها من جراء عداء عثمان بك له ، كما سبق أن ذكرت ، وهو لا يخفي سخطه عليه ، ومع هذا فهو لا يتشكى بل يبذل أعظم الجهد لكي لا يشعر بضيق ذات يده وحاجته. وبالرغم من مصاحبتي له منذ بضعة أشهر ، لم يظهر مثقال ذرة من التلميح أو الرغبة في الحصول على شيء مني ، ولو كان أغنى الأتراك في مكانه لما تردد في الاستجداء مني بصراحة خلال نصف تلك المدة. وعندما أوفدت قبل بضعة أيام تاتارا إلى استانبول تلك العاصمة التي أصبحت الآن تحوي كل