ما يحتاجه المرء من المواد الكمالية والضرورية التي قد تغري أي شرقي ، وسألت عمر آغا عما يرغب في جلبه له منها ، فأجابني لا يتذكر احتياجه إلى أي شيء ، وغيّر مجرى الحديث فورا. وكان (المصرف) بين الحاضرين فطلب مني أن أجلب له قطعة كهرمان لمبسم غليونه. وعمر آغا لا يتودد إلى عثمان بك ، القادر على تحطيمه إذا أراد. وهو يظهر في حضرته أنوفا على الدوام كأنه لا يخافه ولا يخشاه. ولما سألته لماذا لا يتقرب إلى البك أو يذهب إليه إلا معي أجابني «لأنه أساء معاملتي وإني لا أوده» وصفوة القول إن عمر آغا هو الشرقي الوحيد الذي عرفته حتى الآن خلال اختباراتي الطويلة للعرب والأتراك والإيرانيين ، الذي أستطيع أن ألقبه بالفتى «جنتلمن» بكل ما في تلك الكلمة من معنى.
٣٠ أيلول :
وصلتني هذه الساعة رزمة أخرى من (بومباي) يجب إرسالها إلى استانبول. وكان رحمة الله آغا هو التاتار ـ الساعي ـ الذي أتاني بها من بغداد وهو الشخص الذي حاول خلال ثورة سعيد الباشا الذهاب إلى استانبول بطريق (العمادية) و (وان). وقد بحثت معه بحثا طويلا في هذا الطريق ، وهو طريق غريب جدّا ، لم يحاول أي تركي آخر سلوكه (١).
__________________
(١) للوصول إلى آسيا الصغرى بهذا الطريق ، على المرء أن يمر في البلاد المنيعة المنقطعة التي تقطنها العشائر الكلدانية المسيحية وهم ، على ما أعتقد ، المسيحيون الوحيدون في الشرق الذين حافظوا على استقلالهم إزاء المسلمين ، وقد استعدوا لهم استعدادا قويّا. وننقل أدناه عن هؤلاء القوم الغريبي الأطوار ، ملاحظات وردت في مذكرات المستر ريج «إن أوحش عشائر (جوله مه رك) أو (حه كاري) المنقطعين هم العشائر الكلدانية ، وهي أربع وهم لا يعبأون بأمير (حه كاري) ويعيشون عيشة وحشية تامة. فهم يدينون بالديانة المسيحية ومن أتباع نسطوروس ورجالهم مشهورون بقوتهم وضخامة قاماتهم وشجاعتهم ، ويقال إن المرور ببلادهم أكثر