وأكواخها مشيّدة من قرم الأشجار ، وكان سكانها أوحش الناس الذين رآهم في بلاد المتوحشين هذه. وهؤلاء الكلدانيون على حالتهم هذه يلبسون البرانيط المصنوعة من قش الرز وهي تشبه البرانيط الأوروبية. وهم لا يعرفون الحنطة أو الشعير ، ولا يزرعون إلا الرز الذي يصنعون خبزهم منه. وهم يمتازون على غيرهم من الناس بطول قاماتهم وبقوتهم. ولم يستطيعوا إكرام التاتار بغير الجوز والعسل وخبز الرز ، وقد استوفوا عن هذا الطعام ثمنا غاليا ، وقد أطرى التاتار على هذا القوت إطراء حارّا نزولا عند الوصايا التي تلقاها في العمادية ، وإن كان التراب والتبن والرماد يساوي مقدار كمية الرز في ذلك المزيج الرديء الذي سموه خبزا. وهم لا يتكلمون الكردية عدا اثنين أو ثلاثة منهم ، أما لغتهم فلم تكن مفهومة تقريبا لدى المترجم العينكاوي. ولقد أظهروا الإعجاب الشديد بهيئة التاتار الذي لم ير من الفطنة ، أو حس العاقبة أن يبدي نفس الإعجاب بهم. وقد سألوه ما عساه أن يكون من الرجال؟ ، فأجابهم بأنه عثماني ، ولكنهم لم يفهموا معنى ذلك ، وكان من المشين له ، وإن لم يجرؤ على إظهار اشمئزازه ، لما أفادوا بأنهم لا يعرفون السلطان ولا يعبأون به على أنهم فهموا أنه مسلم فقالوا له حينذاك إنهم أقاموا في مكانهم هذا قبل ظهور نبيه (محمد) بكثير ، ومع هذا فإنهم لم يسلبوه ، وقد غادرهم وهم معه على أتم ما يكون من الوئام. وقد أخبروه بأنهم لم يسبق لهم أن رأوا خيالا يمر من جبالهم. وقد شاهد أيضا الكثير من اليزيديين عبدة الشيطان ، ولم ير أمير (حه كاري) الذي ليس له على ما يظهر إلا القليل من السيطرة على رعاياه ، وذلك لأنهم كلهم من أبناء القبائل. ولم يكن في (العمادية) و (حه كاري) صنف من الناس يصح القول عنهم بأنهم قرويون أو صنف آخر يقال عنهم فلاحون. وهذا دليل ، على ما أعتقد ، بأن هذه المناطق هي الموطن الأصلي للكرد والكلدانيين ، في حين أن وجود عنصر (التاجيك) أو (التات) في أنحاء كردستان السفلى