عثمان بك قائلا : «ما دام فيّ رمق من الحياة ، فلن أدع أخي يتنازل عن منصبه وإنني لأرجو الله أن يمكّنني من ذلك».
أرسل لي الباشا بعد الظهر من يعتذر عنه لعدم تمكنه من زيارتي في الأيام الأخيرة وكان يقول في اعتذاره إليّ «ولكنه يعرف الحال التي أنا فيها. إنني أحببت ذلك الطفل أكثر من حب يعقوب ليوسف».
١٨ تشرين الأول :
أطلعت عمر آغا مساء اليوم على بعض مخططاتي (١) وقد عجبت كثيرا لإدراكه لها. وقد ذكر لي أسماء عدة أماكن وأسماء قمم التلال ، وبيّن لي المحلات التي يجب إدخال بعض العوارض الأرضية عليها في تلك المخططات ، وكنت قد أهملت رسمها أو ذكرها إذ لم أشاهدها ، كما صحح لي بعض أقسامها ، بل إنه أدرك أصغر التلال التي مررنا بها في طريقنا. وهذا دليل واضح على ذكائه وعلى صحة مخططاتي في الوقت ذاته. لقد قابلت في بغداد كثيرا من الناس الذين درسوا الرياضيات بوجه خاص ـ كما يسمونها ـ ولكنهم لم يستطيعوا الإحاطة ولو قليلا بالخرائط أو المخططات.
أما عمر آغا ، فحالما تناول كراسة التخطيط بيده وجه المخططات الواحد بعد الآخر إلى استقامة طرقنا وتابعها بأصبعه دون أي تردد. وإن كونه جبليّا مما يزيد في ذكائه الفطري ، وفي اعتياده على اتباع سلاسل التلال ، والنظر إلى قعور الوديان ، ذلك لأن جميع سكان البلاد الجبلية يدركون تفاصيل المخططات بسهولة فمثلا إن الذي وضع خريطة الجبل الأبيض المجسمة والبلاد المجاورة له كان حلاقا من (شامونيا). وقد
__________________
(١) كانت هذه المخططات للبلاد الواقعة بين السليمانية و (سنه) و (بانه) حيث ساح المستر ريج أخيرا وبصحبته عمر آغا ـ الناشرة.