وبعد مكوثي عند عثمان بك مدة ، جاء المصرف ، فخاطبه عثمان بك بنبرة حازمة قائلا : «لا فائدة من الكلام في الموضوع» فالباشا هو أخي الأكبر وأميري ، وله أن يعاقبني ، وإن شاء له أن ينتزع مني ما أملكه ، ولكنني لا أذهب إلى كوى سنجاق.
ودعته بعد مدة وجيزة ، وسمعت بعد ظهر اليوم بأن الباشا أرسل إليه الأوامر الصارمة ليذهب إلى كوى سنجاق ، وإلا يحرمه أملاكه ويمنع الناس عن زيارته. وأخذ يندب على رؤوس الأشهاد ضعفه الذي اضطره إلى الانصياع لمقترحات عثمان بك خلال السبع سنوات الماضية من حكمه.
ومهما كانت أغلاط عثمان بك ، فمن المؤكد أنه تصرف تصرفا شريفا في جميع الأمور التي وقعت أخيرا. إنه أقنع أخيه بألا يتنازل عن منصبه ، ورفض دعوة أمير كرمنشاه بالذهاب إليه ، وفي كلتا الحالتين كان يعلم العلم اليقين بأنه يصبح باشا لو فعل ذلك. ومما يحزنني أن أرى مثل هؤلاء المخاليق الأتراك يبذرون بذور الشقاق بين أعضاء هذه العائلة المحترمة.
قررت قبل مغادرتي هذه المدينة أن أوجه بعض الكلمات الطيبة إلى صديقي القديم عبد الله باشا. قال لي عثمان بك إن ما حدث إنما كان بدس الأتراك وحيلهم ، ومما لا ريب فيه أن عبد الله باشا بريء من أكثر الأمور التي أسندت إليه. وقال لي أيضا بأن الباشا لان في المدة الأخيرة وطلب من باشا بغداد أن يسمح له بالإفراج عن عمه ، ولكن داود باشا لم يوافق على ذلك. فقلت له إنني أعتقد عن يقين بأن ليس هناك ما يمكن أن يلحق به شرّا إذا ما أحجمت شخصيّا عن إيقاع الضرر به لمدة قصيرة. فقال لي عثمان بك سوف لا يلحق به الحيف مطلقا ، ونحن لسنا كالأتراك ، إذ ليس فينا من يمس منه شعرة ، وإن أعطي الدنيا بكاملها.
كان في خدمتنا رجل همجي يدعى محمد جاووش ، وكان هذا من