كعادته ، وقد قال لي بأنه سيراني قبل مغادرتي المدينة ، وأنه سيزورني غدا في مخيمي.
ذهبت بعد ذلك لزيارة عثمان بك وكان في مظهر الجد على عادته ، إلا أن نوعا من مسحة العزم والقسوة كانت تبدو عليه ، ومثله مثل الرجل الذي أسند ظهره إلى الجدار. ويبدو أن محمود باشا يصر ـ بناء على توصية باشا بغداد ـ إصرارا شديدا على أخيه ليتقبل منصبه وهو حاكمية كوى سنجاق. وهذا ما يرفضه عثمان بك ، إذ إنه يخشى أن يتغلب الأتراك عليه فيتسلموا أزمة الأمور بأيديهم حالما يتنحى هو عن طريقهم الأمر الذي يعني خراب بلاده المحقق. إن باشا بغداد لا يرغب في تضامن العائلة ، ولا يحتمل مطلقا وحدتها ، وهو الذي كما كنت أظن ، وكما تأكد لدي ، نجح في جر الاضطراب على عبد الله باشا وهو الآن يسعى لتنحية عثمان بك وإحلال التنابذ بينه وبين أخيه. أما تصرف عثمان بك ، فقد كان في جميع الحوادث الأخيرة تصرف الرجل الشريف الذي لا يحمل في دخيلة نفسه إلا الخير للبلاد وضمان منافعها. وخطأ الباشا الكبير هو ضعفه واحترامه للأتراك الاحترام الكلي ، المنبعث في الحقيقة عن الشعور الديني ، وكثيرا ما استغربت ضعف الباشا النفساني في هذا الشأن. ومن المؤسف أن يلاحظ المرء شدة انخداعه بباشا بغداد ، الذي اعتاد أن يذكره بقوله «أفندمز» أي سيدنا. فلو كان يقدر قوته ومصالحه حق قدرها ، لكان من المحتمل أن يجعل باشا بغداد منقادا إلى ما يريد وإلى معاملته المعاملة اللائقة به. أما عثمان بك ، فلا يذكره أو ينعته إلا بكلمة «الوزير».
__________________
وهكذا يسمى المسلمون المسيح الدجال ، (أهذا ما توصل إليه ريج؟ ـ المترجم). وينعتونه بهذا النعت. ويعتقدون بأن عيسى المسيح وقد دخل القدس وهو على ظهر حمار فسيدخل الدجّال كذلك القدس ، وهم يعتقدون بأنه سيظهر في آخر الزمن وأن المسيح حي ـ كما يعتقدون ـ سيقابله عند هبوطه من السماء ثم يموت بعد أن يتغلب عليه.