ويحتمل أن ذلك نتيجة ما قام به من العمل في خصامه مع أخ كانت له السطوة الكلية عليه ، ذلك العمل الذي أغلى فيه الدم فنسي حزنه بعض النسيان. وقد تحور الحديث تدريجيّا إلى حالة بلاده وإلى الانشقاق القائم بين أبناء عائلته. وقد سعيت لأحرك فيه شعوره القومي والعائلي ، ولكن دون جدوى. بيد أنني كنت أحس بوجود قليل من الحماسة عنده ، عندما كنت أتطرق إلى تاريخه القديم ، والمنزلة التي قد ينالها قومه بين الأمم المستقلة ، إلا أن تلك الحماسة ما كانت إلا سرابا. إن أخلاقه تتصف باللين والتواضع الممتزجين بالأوهام والقنوط مما يجعله منقادا كل الانقياد إلى ما ترسب في أعماقه من الخزعبلات المثبطة التي أتردد في القول بأنها من صنع الدين ، لقد وجدته متجردا تجردا تامّا من كل ما يتعلق بنفسه وببلاده ، وذا فطرة عنيدة لا تطاوع الغير. وكان يظهر الصلابة إزاء كل مناقشة لي معه وأخيرا قلت له مازحا إذا كان قد عزم على استعمال مهارته في إيجاد العراقيل لإصلاح بلاده فلم يعد هناك ما يمكن عمله ومع ذلك فقد تضرعت إلى الله لينعم بالرفاه والقوة على عائلته وبلاده. فأجابني بأنه لا يمكن أن تصبح بلاده أو عائلته يوما ما قوية ، ما دام في العائلة هذا العدد من الأعضاء الأقوياء. فأصررت على رأيي في أن ذلك ممكن ، فأجابني : «نعم هذا ممكن إذا ابتلانا الله بطاعون لم يترك إلا واحدا منا». فقلت له ثانية ، إن ذلك ممكن دون الحاجة إلى الطاعون ، وإن الله على كل شيء قدير ، فقال لا ريب إن الله قادر على إطفاء نار جهنم ولكنه لا يطفئها ، ثم ذكر رغبته في التخلي عن منصبه فأجبته أن عليه أن يقوم بواجب المنصب الذي اختاره الله له ، فقال : «لا شك في ذلك ولكنني أعجب كيف قضت إرادة الله أن تجعلني حاكما ، فقلت له إن ذلك كان لصلاح هذه الآلاف من الناس ، فأجاب : «أواه ما أشد الحساب الذي عليّ تأديته في الآخرة ، فلم أوافقه على رأيه وقلت له في الحقيقة إن معاملته للناس كانت على الدوام معاملة حسنة ، وإنه كان رحيما بكل فرد