منهم ، وإنه لا يمكن بصورة من الصور الحيلولة دون طبع البشر الذي سبب وقوع بعض الاضطرابات في مملكته ، مما قد يكون غافلا عنها ، أو لا طاقة له على إخمادها. فأجابني والصدق يغمر محياه «اسمعني يا بك ، إنما يحكم على المرء بأعماله ، لا بنواياه ، وأنا لوحدي المسؤول عن تأدية الحساب يوم الدين عن كل ما يقع من الاضطراب في حكومتي». لقد أنكر داود باشا جميل هذا الباشا وعامله بالخيانة والغدر ، ولكنه الآن كسبه كل الكسب ببضع كلمات طيبة ، وهو الآن في الحقيقة متعلق بداود باشا كل التعلق ، وقد أكد لي محمود باشا بأن الباشا سيخدم داود باشا طيلة حياته ؛ ولم يكن قول محمود باشا مجرد ادّعاء.
وبعد حديث شيق دام ساعة ونصف ساعة ، نهض الباشا ليعود. وعندما ودعني انخفض صوته وارتجفت يده وهو يصافحني ، وكنت شخصيّا مكروبا مثله لمفارقتي إياه. لقد رجا أن يراني ثانية ، وإني أخشى أن لا نرى بعضنا مرة أخرى. إنه من الصعب أن تفارق المفارقة الأخيرة رجلا عديم الاكتراث ، فكيف وأنت تفارق رجلا توده وتحترمه ، كان محمود باشا رجلا محبوبا جدّا في الحقيقة ، وإنني سأتذكره على الدوام بشوق ، فملامحه النقية لا تنم إلا عن الطهر والإخلاص والبساطة. وما كنت أتوقع مقابلة رجل مثله في الشرق كما أنني أخشى أن لا يجد المرء الكثير من أمثال هذا الرجل في بيئات أرقى. إن المرء ليلمس الحزن والرقة في خلقه ، وذلك مما يجعله رجلا لطيفا جذابا ، فهو الإحساس بعينه. إنه لم يتغلب حتى الآن على ما داهمه من الأحزان لوفاة ولده ، وإنني أدوّن رأيي مطمئنا لما أقول في أن ليس هناك رجل في الشرق يحب أولاده وزوجته كحبه لهم. دخل عل حزمه مساء أمس للمرة الأولى بعد المصاب ، فناداه طفل من أبناء أخيه بكلمة بابا. لقد كان الاسم وصوت الطفولة الذي ردد به الاسم أكثر مما يحتمله ، فصرخ وسقط على الأرض مغميا عليه. هذا مع العلم أن الدين الإسلامي يمنع الأحزان وأن الإفراط