في الشعور إزاء المرأة ، أو الولد من الأمور الشائع نكرانها أو الازدراء بها بين أتباع الإسلام ، الأمر الذي يعزز جمود الشعور وصلابة النفوس. لقد أصبح الباشا من أقوى الناس تمسكا بدينه في الشرق ، إلا أن تمسكه هذا لم يعطه التعصب والركود في الإحساس. إن طبيعته المثلى ارتقت فوق المعتقدات الإسلامية المنحطة (١). وربما كان بإمكان رجل أسوء منه خلقا أن يكون أكثر ملاءمة لحكم كردستان. وإن محمود باشا لم يكن بالزعيم الذي تحتاجه تلك البلاد لأن فضائله جديرة برجل يعيش عيشة خاصة ، إذ إنه كان لين العريكة جدّا كثير الثقة بغيره ولا يقدّر نفسه إلا بأقل مما تستحق ؛ ومع كونه شجاعا في ميدان القتال فقد كانت تعوزه جرأة المدني اللازمة. لقد جعله الدين والتفكير قليل الاكتراث بالأخطار كما أفقده الحزم والعزم أيضا. لقد كان بميسور أي رجل أن يقوده ، فكان يركن إلى أي فرد يتقدم لمعاونته حتى في الأمور التي تخالف رأيه الراجح ومع أنه كان بشخصه مثالا للصدق والشرف ، فقد كان يجهل أساليب أرباب الدهاء الذين كانوا يموهون أسوأ خططهم الجهنمية بالصبغة التي ترضيه. وعلى الرغم من وقوعه مرارا على خدعهم كان يظل على ثقته بهم ، ذلك لأنه كان ببساطة الطفل الصغير ووداعته. فلقد استطاع داود باش مؤخرا أن يفسد أخيه عليه وحاول تحطيمه. لكنه وجد الآن من مصلحته أن يكتسبه إلى جانبه وأظهر له كثيرا من التودد والاحترام ، وقد تناسى محمود باشا كل ما حدث في الماضي.
جاءني سليمان بك ليلا ليودعني. لقد كان شابا طيبا أكثر حيوية وعزما من أخيه ، فلم يتكلم عن كردستان بعبارة اليائس وقد قصصت عليه قصة حرب السبع سنوات فأصغى إلى حديثي باهتمام زائد.
__________________
(١) عفا الله عن ريج ، يظهر لنا أنه أراد أن يمدح شخصا ارتقى خلقا بوسيلة ، فذم الوسيلة ذاتها ، ولا ندري كيف يوفق بين هذا وذاك ـ المترجم.