يتطاير من حولي من كل ناحية ، وأنا ممتطية جوادي ، وحينما وليت وجهي لم أكن أرى إلا القتلى أو الجرحى مجندلين على الأرض حولي» إنهم نجوا وشعروا بسرور السلامة بشجاعة أتباعهم ومساندة بعض الأصدقاء الأوفياء لهم مساندة جاءت في حينها. كانت الخانم جميلة حسناء ، مكتملة الأنوثة ، نحيفة القد رشيقة الأمر الذي لا يتفق والمخاطرة الفريدة التي انغمرت فيها ، فقد كانت تقص عليّ قصتها بهدوء وتؤدة وتواضع. ودعتها ميممة شطر حرم الكهيا لتوديع صديقتي الحميمة الوفية (حنيفة خاتون) ، ومن الغريب أنني وجدتها غاضبة كل الغضب لذهابنا إلى بلاد وحشية جدّا مثل كردستان تاركين راحة بغداد ومباهجها. فارقتها عند الغروب وأنا حزينة ، وذهبت إلى بستان صالح بك وهي تبعد عن المدينة مسيرة خمس دقائق ؛ للمبيت عند والدته وغيرها من السيدات التركيات الصديقات اللاتي اجتمعن هناك لتوديعي.
كان زوجي قد ذهب إلى بستان الحاج عبد الله بك التي تبعد عن بغداد مسافة ثلاثة أميال ، وقد دعي لقضاء ليلته هناك. ومن هذا المكان بدأت سياحتنا. لقد كانت الليلة ممطرة عاصفة. وقد استغربنا جميعا لرؤيتنا زوجة الحاج عبد الله بك تدخل علينا في الساعة العاشرة تقريبا ؛ إنها امتطت جوادها ، وقطعت في هذا الجو الرديء وفي الظلام ثلاثة أميال بغية قضاء ليلتها الأخيرة بصحبتي.
١٧ نيسان ١٨٢٠ :
بعد نوم ساعتين نهضت مع الفجر فودعت صديقاتي الكريمات ، وقد أخذ الحزن منا جميعا كل مأخذه. وأصرت ضابط خاتون زوجة الحاج عبد الله بك على مرافقتي حتى دار الحديقة فأركبتها وبنت أختها الجميلة الصغيرة فاطمة خانم تخت رواني ، كما أركبت خادمي (تقي)