ذو طبع رقيق إنساني وإن كان يفتقر إلى العزم والحزم. وكان على جانب عظيم من التقوى الأمر الذي جعله ينقاد إلى أرباب الدين والعلماء ، وما كان هؤلاء من أثقف الناس في أي قسم من الإمبراطورية الإسلامية ؛ والمعروف عن طبقتهم هنا أنها طبقة متعصبة عنيدة. لكن الباشا كان ذا حلم ولين ولم يخضع إلى تعصبهم ، لكونه سوداوي الطبع فقد كان يميل بطبيعة الحال إلى النظر إلى الأمور التي تكتنفه نظرة قاتمة.
وعند المساء تمشينا داخل الجنينة ، وكان الهواء معطرا بشذى الورود. إنني أشعر بالنفور الشديد من الرحيل من هذا المكان المبهج إلى المدينة التي لم تظهر لنا جاذبيتها والتي يقال إن بيوتها خربة. إنني أفضل البقاء حيث أنا ، ولكن قد أظهر الباشا الكريم الطبع ، الخلوق ، رغبته في انتقالنا إلى المدينة فلم يعد لي إلا أن أضحي برغبتي إرضاء له.
١٠ أيار :
وكان للموكب عند دخوله المدينة استعراض باهر لكثرة المشتركين فيه وتنوع أزيائهم. لقد تألف الموكب من الكرد والأوروبيين وهم جميعا في بزاتهم الرسمية المبهجة ، فالجنود الهنود بطبولهم ومزاميرهم والخيالة الروس بأبواقهم (١) ، والضباط من الأتراك المسيحيين وحتى اليهود والخدم التابعون لدار المقيمية كل هؤلاء كوّنوا شارة للعظمة البدائية الخليطة ، وكان الأوروبيون في مظهرهم الموحد المنسق يسترعي الأنظار بوجه بارز ، والموكب بكامله لم يكن إلا رمزا ناطقا عن أوروبا وآسيا.
يبدو أن الباشا قد أظهر رغبته القوية في سكنانا المدينة ، وهو يرى أن رجوع المستر (ريج) إلى مخيمه لم يكن فألا حسنا. وأخيرا رضخ
__________________
(١) لم يذكر المستر (ريج) في مذكراته هذه الخيالة ـ المترجم.