المستر (ريج) لهذه الرغبة معتقدا أنه من الأفضل أن ينزعج ولا يرتاح عوضا من أن يمس شعور هؤلاء الناس اللطفاء الكرماء أو أن يخالف معتقداتهم. لذلك جمعنا أثقالنا وركبت تخترواني أيضا فأسدلت ستائره القرمزية وشدت شدا محكما من جميع أطرافها لكي لا يرى أحد قلامة ظفر مني ، بالرغم من ارتدائي المئزر (١) وإسدالي البرقع ، وفي مثل هذه الحالات التي أنا فيها حيث تضطر حرم رجل له منزلته إلى المرور علانية بين حشد من الناس ، يجب أن لا يظهر منها حتى أطراف حجابها. هكذا وصلت الدار التي خصصت لإقامتنا ، ومن الصعب أن أسميها دارا قبل أن أرى شيئا من السليمانية أو من سكانها. وكانت الأصوات المستمرة الواطئة ـ التي كنت أسمعها من حولي وأنا أمر في محملي المغلق علي ، الدليل الوحيد لدخولنا المدينة. وإن إعجابي وحبي للعاصمة والبلاد وأهلها انقلب الآن إلى كره ونفور نحوها جميعا لرداءة المكان الذي خصص لإقامتي ، ومن الأمور التي كانت تتطلب شجاعة عظمى أن أخاطر بدخول كومة من الخرائب كانت ماثلة أمامي في ساحة الدار الخارجية. وقد استجمعت قواي وولجت الدار وورائي كل من المستر (به ل لي نو) والطبيب الإيطالي الصغير ، وأخذ أولهما ينفخ مزيلا الغبار بفطنة وأخذ الثاني ينفض ما علق بكتفه منه باستهجان مقلدا ...
ليس لي أية علاقة بالديوان خانه ـ ولا يحتمل أن يكتب لي نصيب مشاهدتها ، فترتيباتها تضاهي ترتيبات الحرم تماما ، أما حالتها فأردأ منها. إنني أشفق على المستر (به ل لي نو) ورجالنا الذين سيمكثون فيها.
__________________
(١) وقد جاءت في النص (جرجف) وهو قطعة من القماش الحريري المحقق بمربعات بيضاء وزرقاء وحافاتها موشاة بالقصب المذهب تلف الجسم بكامله إلا الوجه الذي يستر ببرقع مصنوع من شعر ذيول الخيل (وكان يسمى هذا النوع من البرقع ولا يزال في بعض أنحاء العراق بالخيلية ـ المترجم). وهكذا تتحجب لابستها ، وهي تتمكن من الرؤية من خلال البرقع بوضوح.