اضطررنا للعبور بالتناوب الأمر الذي أخرنا زهاء خمس ساعات. وكان عرض النهر الرئيسي حوالي أربعمائة ياردة. وقد أعلمنا الزعيم الكردي بأنه في موسم الفيضان يصبح عرضه ميلا ونصف الميل ، عدا ما يصب منه في المستنقعات التي مرّ ذكرها. وقد وجدت القطن والتبغ يزرعان في الأراضي المجاورة ، وكان العرب من قبائل (بني عجيل) و (العزة) ضاربين على شواطىء النهر. والرمث الذي عبرنا النهر عليه كان من عمل أفراد العشيرة الأخيرة ، ويقبض (حسن آغا) بدل التزامه مبلغا يتراوح بين المائتين والثلاثمائة قرش. وقد تم نقلنا جميعا بسلامة على الرغم من وهن الرمث وشدة تيار النهر الذي كان أشبه بالماء المتدفق من فم الخرطوم.
وكان أحمد آغا (١) قد تولاه الذهر لمجرد التفكير في مهمة عبورنا على هذه الشاكلة. فلما رأى أننا قد عبرنا بسلام طفق يجهش بالبكاء ويقول : «آه يا سيدي كنت أرجح أنك تسير خمسة أيام على عبورك ـ ولعله كان يقصد نفسه ـ هذا النهر الرهيب. أما (جيت سنغ) (٢) فكان يتمتم طيلة مدة عبورنا البسملة : ـ «بسم الله الرحمن الرحيم ، بسم الله الرحمن الرحيم».
عدنا إلى الركوب في الجانب الأيمن من النهر في الواحدة والنصف فمررنا أولا فوق تلال ثم انحدرنا إلى أرض رسوبية وبعض الأراضي التي كانت قد غمرتها المياه سابقا فبلغنا قرية (زه نكه باد) (٣) وهي مسقط رأس ابن الكيوانة (٤) لكنه كان غائبا ، وكان وكيله رجلا
__________________
(١) أحد خدم المستر ريج.
(٢) أحد خدم المستر ريج ، وكان هندوكيّا فأسلم.
(٣) ٣٠ درجة إلى الجنوب الغربي.
(٤) «كيواني» لقب رئيسة الخادمات أو «دووأننا» في حرم باشا بغداد ـ الناشرة.
(و «دوأننا ـ Duenna» كلمة فرنسية ، تعني القهرمانة ـ المترجم).