المثابرة على تحقيقه بلا ملل ، وإلى أن يحرز تقدّما بارزا في لغات شرقية عديدة بينها العبرية والكلدانية والفارسية والتركية.
وحدث في تلك الأثناء أنه بينما كان يتنزه ذات مساء في (كينكزدن) من ضواحي (بريستول) ، أن صادف رجلا تركيّا ، فساقته الرغبة باختيار مدى إتقانه النطق باللّغة التركية بحيث يفهمها منه أحد أبنائها ، فتقدم من الرجل وخاطبه بهذه اللّغة. وبعد أن أظهر التركي سروره ودهشته من أن يخاطب بلغته على غير انتظار ، أعلم محدثه بأنه يحترف التجارة وأنه الآن في مأزق لأن السفينة التي كان يركبها قد تحطمت عند شواطىء إيرلندا. وإلى جانب سرور المستر ريج بنجاح تجربته أراد أن يظهر امتنانه من هذا الغريب فانبرى لإسعافه.
ثم لم تلبث براعته الفائقة في هذا المسلك الدراسي غير المطروق أن أثارت اهتمام معارفه الأقربين. فقدمه المستر ـ الدكتور فيما بعد ـ (مارشمان) إلى الدكتور (رايلند) وهو يومئذ من أعلام رجال اللاهوت في ذلك البلد. فتمكن بذلك من إنماء علاقته بعدد آخر من رجال الأدب في (بريستول) ، كان أخصهم المستر (فوكس) الذي ظل المستر ريج يذكره على الدوام بود خاص وعرفان الجميل ، والذي بفضل إرشاده والرجوع إلى مكتبته تمكّن من إحراز التقدم الذي بلغه يومئذ في دراساته الشرقية المحببة.
على أنه بالرغم من استلفاته الأنظار إلى اتجاه دراساته غير الاعتيادية ، فإنه لم يكن أقل مباشرة على تهذيب نفسه بوجه عام. فقد امتاز في هذا العهد المبكر من حياته بخلّته العالية السّخية الأبية ، والهمة التي أظهرها في شتى صفات الرجولة والكمال.
وقد دلّه الاتجاه الذي انصرفت إليه دراسته مثلما دل غيره على أن الهند ستكون خير مرشح لإظهار نبوغه في المستقبل. ففي عام ١٨٠٣ تمكّن أحد أصدقائه المهتمين به من التوسط له لدى شركة الهند الشرقية