ويعلو منابع السيل تلّ عليه شجرتان يقال إنهما تدلان على موقع معركة دارت هناك في غابر الأزمان. ويقول الكرد إن الإمام علي غرز رمحه في هذا المكان بعد اشتباكه بالكفار ، إلا أن عبد الرحمن آغا يقر بأن هذه الرواية إنما هي أسطورة (عنعنة) كردية ليس إلا ، وهو وإن كان لا يشك في وقوع معركة في هذه البقعة إلا أنه يدّعي عدم معرفته بالفريقين اللذين اختصما عندها.
ونزولا عند رغبة الباشا ، ضربنا مخيمنا على الضفة اليسرى من (سه رجنار) حتى يتم له التهيؤ لدخولنا إلى عاصمته ، وقد عين صباح الغد موعدا لذلك. وفي هذا المكان استأذن مهماندارنا السابق محمود آغا لينصرف ، وكان قد حبب نفسه لنا بتصرفاته الكريمة التي تنم عن خلق حميد طيلة مدة قيامه بواجبه.
وبعد إقامة مخيمنا بقليل ، وردت المؤن الكثيرة العديدة الأنواع لنا ولحاشيتنا من الباشا. وعند الظهر جاءنا عمر آغا وهو ضابط كردي آخر ، وكان واجب هذا السيد ملازمتنا طيلة مدة مكوثنا في كردستان (١) وبعد مقابلتي والبحث فيما نحتاجه في سكنانا خلال إقامتنا في السليمانية رجع إلى المدينة للقيام بما يجب لاستقبالنا. والآن بعد أن قابلت من قابلت من السادة الكرد سواء في بغداد أو منذ دخولنا بلادهم ، أجدني ميالا لأن أحسن الظن بسلوكهم وأدبهم ، وكرم ضيافتهم إلى حد بعيد.
وبعد الظهر تمشيت لأقف على ما حولي قليلا. فعند رأس (سه رجنار) تتدفق المياه من كل ناحية من الأرض ، فأينما أزحت التراب من الأديم انفجر الماء (٢) ، وكان قاع الجدول مكتظا برشاد الماء.
__________________
(١) راجع اللوح (١).
(٢) إن درجة حرارة جميع هذه العيون التي قست درجات حرارة الكثير منها كانت ٦٢ د ف ، أما درجة حرارة الجو فكانت ٧٦ د.